أبى يوسف ان الجحود سبب للضمان من حيث إنه يرفع العقد بالعزل على ما بينا ولا يصح العزل حالة الغيبة فلا يرتفع العقد ولان الجحود عند غير المالك حال غيبته معدود من باب الحفظ والصيانة عرفا وعادة لان مبنى الايداع على الستر والاخفاء فكان الجحود عند غير المالك حال غيبته حفظا معنى فكيف يكون سببا لوجوب الضمان ومنها الاتلاف حقيقة أو معنى وهو اعجاز المالك عن الانتفاع بالوديعة لان اتلاف مال الغير بغير اذنه سبب لوجوب الضمان حتى لو طلب الوديعة فمنعها المودع مع القدرة على الدفع والتسليم إليه حتى هلكت يضمن لأنه لما حبسها عنه عجز عن الانتفاع بها للحال فد خلت في ضمانه فإذا هلكت تقرر العجز فيجب الضمان ولو أمر غيره بالاتلاف وادعى انه كان بادن المالك لا يصدق الا ببينة لان الاتلاف سبب لوجوب الضمان في الأصل قوله كان بإذن المالك دعوى أمر عارض فلا تقبل الا بحجة وكذلك المودع إذا خلط الوديعة بماله خلطا لا يتميز يضمن لأنه إذا كان لا يتميز فقد عجز المالك من الانتقاع بالوديعة فكان الخلط منه اتلافا فيضمن ويصير ملكا بالضمان وان مات كان ذلك لجميع الغرماء والمودع أسوة الغرماء فيه ولو اختلطت بماله بنفسها من غير صنعه لا يضمن وهو شريك لصاحبها أما عدم وجوب الضمان فلانعدام الاتلاف منه بل تلفت بنفسها لانعدام الفعل من جهته وأما كونه شريكا لصاحبها فلوجود معنى الشركة وهو اختلاط الملكين ولو أودعه رجلان كل واحد منهما ألف درهم فخلط المودع المالين خلطا لا يتميز فلا سبيل لهما على أخذ الدراهم ويضمن المودع لكل واحد منهما ألفا ويكون المخلوط له وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد هما بالخياران شاءا اقتسما المخلوط نصفين وان شاءا ضمنا المودع الفين وعلى هذا الخلاف سائر المكيلات والموزونات إذا خلطا الجنس بالجنس خلطا لا يتميز كالحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والدهن بالدهن وجه قولهما ان الوديعة قائمة بعينها لكن عجز المالك عن الوصول إليها بعارض الخلط فان شاءا اقتسما لاعتبار جهة القيام وان شاءا ضمنا لاعتبار جهة العجز وجه قول أبي حنيفة رحمه الله انه لما خلطهما خلطا لا يتميز فقد عجز كل واحد منهما عن الانتفاع بالمخلوط فكان الخلط منه اتلاف الوديعة عن كل واحد منهما فيضمن ولهذا يثبت اختيار التضمين عند هما واختيار التضمين لا يثبت الا بوجود الاتلاف دل ان الخلط منه وقع اتلافا ولو أودعه رجل حنطة وأخر شعير فخلطهما فهو ضامن لكل واحد منهما مثل حقه عند أبي حنيفة لان الخلط اتلاف وعندهما لهما ان يأخذ العين ويبيعاها ويقتسما الثمن على قيمة الحنطة مخلوطا بالشعير وعلى قيمة الشعير غير مخلوط بالحنطة لان قيمة الحنطة تنقص بخلط الشعير وهو يستحق الثمن لقيام الحق في العين وهو مستحق العين بخلاف قيمة الشعير لان قيمة الشعير تزداد بالخلط بالحنطة وتلك الزيادة ملك الغير فلا يستحقها صاحب الشعير ولو أنفق المودع بعض الوديعة ضمن قدر ما انفق ولا يضمن الباقي لأنه لم يوجد منه الاتلاف قدر ما أنفق ولو رد مثله فخلطه بالباقي يضمن الكل لوجود اتلاف الكل منه النصف بالاتلاف والنصف الباقي بالخلط لكون الخلط اتلافا على ما بينا ولو أخذ بعض دراهم الوديعة لينفقها فلم ينفقها ثم ردها إلى موضعها بعد أيام فضاعت لا ضمان عليه عندنا وعند الشافعي رحمه الله يضمن وجه قوله إنه أخذها على وجه التعدي فيضمن كما لو انتفع بها (ولنا) ان نفس الاخذ ليس باتلاف ونية الاتلاف ليس باتلاف فلا توجب الضمان والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تبارك وتعالى عز شأنه عفا عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يفعلوا ظاهر الحديث يقتضى أن يكون ما حدثت به النفس عفوا على العموم الا ما خص بدليل وعلى هذا الخلاف إذا أودعه كيسا مسدودا فحله المستودع أو صندوقا مقفلا ففتح القفل ولم يأخذ منه شيئا حتى ضاع أو مات المودع فإن كانت الوديعة قائمة بعينها ترد على صاحبها لان هذا عين ماله ومن وجد عين ماله فهو أحق به على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت لا تعرف بعينها فهي دين في تركته يحاص الغرماء لأنه لما مات مجهلا للوديعة فقد أتلفها معنى لخروجها من أن تكون منتفعا بها في حق المالك بالتجهيل وهو تفسير الاتلاف ولو قالت الورثة انها هلكت أوردت على المالك لا يصدقون على ذلك لان الموت مجهلا سبب لوجوب الضمان لكونه اتلافا فكان
(٢١٣)