لان الحفظ في المصر أكمل من الحفظ في السفر إذا السفر موضع الخطر الا إذا خاف التلف عليها فاضطر إلى الخروج بها فخرج لا تدخل في ضمانه لان الخروج بها في هذه الحالة طريق متعين للحفظ كما إذا وقع في داره حريق أو كان في سفينة فخاف الغرق فدفعها إلى غيره ولو قال له احفظ الوديعة في دارك هذه فحفظها في دار له أخرى فإن كانت الداران في الحرز سواء أو كانت الثانية أحرز لا تدخل في ضمانة لان التقييد غير مفيد وإن كانت الأولى أحرز من الثانية دخلت في ضمانه لان التقييد به عند تفاوت الحرز مفيد وكذلك لو أمره ان يضعها في داره في هذه القرية ونهاه عن أن يضعها في داره في قرية أخرى فهو على هذا التفصيل ولو قال له اخبأها في هذا البيت وأشار إلى بيت معين في داره فخبأها في بيت آخر في تلك الدار لا تدخل في ضمانه لان البيتين من دار واحدة لا يختلفان في الحرز عادة بخلاف الدارين فلا يكون التعيين مفيد حتى لو تفاوتا بأن كان الأول أحرز من الثاني تدخل في ضمانه والأصل المحفوظ في هذا الباب ما ذكرنا أن كل شرط يمكن مراعاته ويفيد فهو معتبر وكل شرط لا يمكن مراعاته ولا يفيد فهو هدر وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله تجب مراعاة الشروط في المواضع كلها حتى أن المأمور بالحفظ في بيت معين لا يملك الحفظ في بيت آخر من دار واحدة وجه قوله إن الأصل اعتبار تصرف العاقل على الوجه الذي أوقعه فلا يترك هذا الأصل الا لضرورة ولم توجد وصار كالدارين والجواب نعم إذا تعلقت به عاقبة حميدة فاما إذا خرج مخرج السفه والعبث فلا لان التعيين عند انعدام التفاوت في الحرز يجرى مجرى العبث كما إذا قال احفظ بيمينك ولا تحفظ بشمالك أو احفظ في هذه الزاوية من البيت ولا تحفظ في الزاوية الأخرى فلا يصح التعيين لانعدام الفائدة حتى لو تفاوتا في الحرز يصح بخلاف الدارين والأصل في الدارين اختلاف الحرز فكان التعيين مفيدا حتى لو لم يختلف فالجواب فيها كالجواب في البيتين على ما مر (فصل) وأما بيان حال الوديعة فحالها انها في يد المودع أمانة لان المودع مؤتمن فكانت الوديعة أمانة في يده ويتعلق بكونها أمانة أحكام منها وجوب الرد عند طلب المالك لقوله تعالى جل شأنه ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها حتى لو حبسها بعد الطلب فضاعت ضمن هذا إذا كانت الوديعة لرجل واحد فاما إذا كانت مشاعا لرجلين فجاء أحدهما وطلب حصته لا يجب عليه الرد بأن أودع رجلان رجلا وديعة دراهم أو دنانير أو ثيابا وغاب ثم جاءه أحدهما وطلب بعضها وأبى المستودع ذلك لم يأمره القاضي بدفع شئ إليه ما لم يحضر الغائب عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يقسم ذلك ويدفع إليه حصته ولا يكون ذلك قسمة جائزة على الغائب بلا خلاف حتى لو هلك الباقي في يد المودع ثم جاء الغائب له ان يشارك صاحبه في المقبوض عندهم جميعا ولو هلك المقبوض في يد القابض ثم جاء الغائب فليس للقابض ان يشارك صاحبه في الباقي وجه قولهما ان الاخذ بأخذ حصته متصرف في ملك نفسه فكان له ذلك من غير حضرة الغائب كما إذا كان لرجلين دين مشترك على رجل فجاء أحدهما وطلب حصته من الدين فإنه يدفع إليه حصته لما قلنا كذا هذا (وجه) قول أبي حنيفة ان المودع لو دفع شيئا إلى الشريك الحاضر لا يخلو اما ان يدفع إليه من النصيبين جميعا واما أن يدفع إليه من نصيبه خاصة لاوجه إلى الأول لان دفع نصيب الغائب إليه ممتنع شرعا ولا سبيل إلى الثاني لان نصيبه شائع في كل الألف لكون الألف مشتركة بينهما ولا يتميز الا بالقسمة والقسمة على الغائب غير جائزة ولو سلمنا ذلك حتى قالا إذا جاء الغائب وقد هلك الباقي له ان يشارك القابض في المقبوض ولو نفذت القسمة لما شاركه فيه لتميز حقه عن حق صاحبه بالقسمة والقياس على الدين المشترك غير سديد لان الغريم يدفع نصيب أحد الشريكين بدفع مال نفسه لا مال شريكه الغائب وهنا يدفع مال الغائب بغير اذنه فلا يستقيم القياس ولو كان في يده ألف درهم فجاءه رجلان وادعى كل واحد منهما انه أودعه إياها فقال المودع أودعها أحد كما ولست أدرى أيكما هو فهذا في الأصل لا يخلو من أحد وجهين اما أن اصطلح المتداعيان على أن يأخذا الألف وتكون بينهما واما أن لم يصطلحا وادعى كل واحد منهما ان الألف له خاصة لا لصاحبه فان اصطلحا على ذلك فلهما ذلك وليس للمودع ان يمتنع عن تسليم الألف إليهما لأنه أقران الألف لاحد هما وإذا اصطلحا على أنها تكون بينهما لا يمنعان عن ذلك وليس لهما ان يستحلفا
(٢١٠)