المودع بعد الصلح وان لم يصطلحا وادعى كل واحد منهما ان الألف له لا يدفع إلى أحدهما شيئا لجهالة المقر له بالوديعة ولكل واحد منهما ان يستحلف المودع فان استحلفه كل واحد منهما فالامر لا يخلو اما أن يحلف لكل واحد منهما واما أن ينكل لكل واحد منهما واما ان يحلف لاحد هما وينكل للآخر فان حلف لهما فقد انقطعت خصومتهما للحال إلى وقت إقامة البينة كما في سائر الأحكام وهل يملكان الاصطلاح على أخذ الألف بينهما بعد الاستحلاف فهو على الاختلاف المعروف بين أبي حنيفة وأبى يوسف وبين محمد على قولهما لا يملكان وعلى قول محمد يملكان وهي مسألة الصلح بعد الحلف وقد مرت في كتاب الصلح وان نكل لهما يقضى بالألف بينهما نصفين ويضمن ألفا أخرى بينهما فيحصل لكل واحد منهما الف كاملة لان كل واحد منهما يدعى ان كل الألف له فإذا نكل له والنكول بذل أو اقرار فكأنه بذل لكل واحد منهما ألفا أو أقر لكل واحد منهما فيقضى عليه بينهما بألف ويضمن أيضا ألفا أخرى تكون بينهما ليحصل لكل واحد منهما ألف كاملة ولو حلف لأحدهما ونكل للاخر قضى بالألف للذي نكل له ولا شئ للذي حلف له لان النكول حجة من نكل له لا حجة من حلف له ومنها وجوب الأداء إلى المالك لان الله امر بأداء الأمانات إلى أهلها مالكها حتى لو ردها إلى منزل المالك فجعلها فيه أو دفعها إلى من في عيال المالك دخلت في ضمانه حتى لو ضاعت يضمن بخلاف العارية فان المستعير لوجاء بمتاع العارية وألقاها في دار المغير أو جاء بالدابة فأدخلها في إصطبله كان ردا صحيحا لان ظاهر النص الذي تلونا أن لا يصح الا انها صارت مخصوصة عن عموم الآيات فبقيت الوديعة على ظاهره ولان القياس في الموضعين ما ذكرنا من لزوم الرد إلى المالك الا انا استحسنا في العارية للعادة الجارية فيها بردها إلى بيت المالك أو بدفعها إلى من في عياله حتى لو كانت العارية شيئا نفيسا كعقد جوهر ونحو ذلك لا يصح الرد لانعدام جريان العادة بذلك بذلك في الأشياء النفيسة ولم تجربه العادة في مال الوديعة فتبقى على أصل القياس ولان مبنى الايداع على الستر والاغفاء عادة فان الانسان إنما يودع مال غيره سرا عن الناس لما يتعلق به من المصلحة فلو رده على غير المالك لا نكشف إذ السر إذا جاوز اثنين يفشو فيفوت المعنى المجعول له الايداع بخلاف العارية لان مبناها على الا علان والاظهار لأنها شرعت لحاجة المستعير إلى استعمالها في حوائجه ولا يمكنه الاستعمال سرا عن الناس عادة والرد إلى غير المالك لا يفوت ما شرع له العارية فهو الفرق ومنها انه إذا ضاعت في يد المودع بغير صنعه لا يضمن لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس على المستعير غير المغل الضمان ولا على المستودع غير المغل الضمان ولان يده يد المالك فالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك وكذلك إذا دخلها نقص لان النقصان هلاك بعض الوديعة وهلاك الكل لا يوجب الضمان فهلاك البعض أولى ومنها ان المودع مع المودع إذا اختلفا فقال المودع هلكت أو قال رددتها إليك وقال المالك بل استهلكتها فالقول قول المودع لان المالك يدعى على الأمين أمرا عارضا وهو التعدي المودع مستصحب لحال الأمانة فكان متمسكا بالأصل فكان القول قوله لكن مع اليمين لان التهمة قائمة فيستحلف دفعا للتهمة وكذلك إذا قال المودع استهلكت من غير اذني وقال المودع بل استهلكتها أنت أو غيرك بأمرك أن القول قول المودع لما قلنا ولو قال إنها قد ضاعت ثم قال بعد ذلك بل كنت رددتها إليك لكني أوهمت لم يصدق وهو ضامن لأنه نفى الرد بدعوى الهلاك ونفى الهلاك بدعوى الرد فصار نافيا ما أثبته مثبتا ما نفاه وهذا تناقض فلا تسمع منه دعوى الضياع والرد لان المناقض لاقول له ولأنه لما ادعى دعوتين وأكذب نفسه في كل واحدة منهما فقد ذهبت أمانته فلا يقبل قوله (فصل) وأما بيان ما يغير حال المعقود عليه من الأمانة إلى الضمان فأنواع منها ترك الحفظ لأنه بالعقد التزم حفظ الوديعة على وجه لو ترك حفظها حتى هلكت يضمن بدلها وذلك بطريق الكفالة ولهذا لو رأى انسانا يسرق الوديعة وهو قادر على منعه ضمن لترك الحفظ الملتزم بالعقد وهو معنى قول مشايخنا ان المودع يؤخذ بضمان العقد ومنها ترك الحفظ للمالك بان خالفه في الوديعة بأن كانت الوديعة ثوبا فلبسه أو دابة فركبها أو عبدا فاستعمله أو أودعها من ليس في
(٢١١)