وإلى هذا المعنى أشار محمد في الكتاب فقال كيف يؤمر باحضار شئ لو أخذه كان غاصبا وإذا سقط التكليف بالاحضار زالت الرخصة فيخاطب بقضاء الدين وكذلك إذا وضعا الرهن على يد عدل فغابا العدل بالرهن ولا يدرى أين هو لا يكلف المرتهن باحضار الرهن ويجبر الراهن على قضاء الدين لما ذكرنا ولو كان الرهن في يد المرتهن فالتقيا في بلد آخر فطالب المرتهن الراهن بقضاء دينه فإن كان الدين مما له حمل ومؤنة يجبر الراهن على قضاء الدين ولا يجبر المرتهن على احضار الرهن لما ذكرنا ان قضاء الدين واجب عليه على سبيل التضييق والتأخير إلى وقت الاحضار للضرورة التي ذكرناها عند القدرة على الاحضار من غير ضرر زائد والمرتهن هنا لا يقدر على الاحضار الا بالمسافرة بالرهن أو بنقله من مكان العقد وفيه ضرر بالمرتهن فسقط التكليف بالاحضار ولو ادعى الراهن هلاك الرهن فقال المرتهن لم يهلك فالقول قول المرتهن مع يمينه لان الرهن كان قائما والأصل في الثابت بقاؤه فالمرتهن يستصحب حالة القيام والراهن يدعى زوال تلك الحالة والقول قول من يدعى الأصل لأن الظاهر شاهد له ولان الراهن بدعوى الهلاك يدعى على المرتهن استيفاء الدين وهو منكر فكان القول قوله مع يمينه ويحلف على البتات لان يحلف على فعل نفسه وهو القبض السابق لان المرتهن لا يصير مستوفيا بالهلاك لأنه لا صنع له فيه بل بالقبض السابق وذلك فعله بخلاف ما إذا كان الرهن عند عدل فغاب بالرهن فاختلف الراهن والمرتهن في هلاك الرهن ان هناك يحلف المرتهن على العلم لا على البتات لان ذلك تحليف على فعل غيره وهو قبض العدل فتعذر التحليف على البتات فيحلف على العلم كما لو ادعى الراهن انه أو في الدين وكيل المرتهن والمرتهن ينكر انه يحلف على العلم لما ذكرنا كذا هذا وإن كان الرهن مما لا حمل له ولا مؤنة فالقياس انه يجبر على قضاء الدين وفى الاستحسان لا يجبر ما لم يحضر المرتهن الرهن لأنه ليس في احضاره ضرر زائد وعلى هذا الأصل مسائل في الزيادات ولو اشترى شيئا ولم يقبضه ولم يسلم الثمن حتى لقيه البائع في غيره مصره الذي وقع البيع فيه فطالبه بالثمن وأبى المشترى حتى يحضر المبيع لا يجبر المشترى على تسليم الثمن حتى يحضر البائع المبيع سواء كان له حمل ومؤنة أولم يكن فرق بين البيع والرهن ووجه الفرق ان البيع معاوضة مطلقة والمساواة في المعاوضات المطلقة مطلوبة عادة وشريعة ولا تتحقق المساواة من غير احضار المبيع بخلاف الرهن لأنه ليس بمعاوضة مطلقة وإن كان فيه معنى المعاوضة فلا يلزم اعتبار المساواة بين المرهون والمرهون به وهو الدين في هذا الحكم (فصل) وأما الذي يتعلق بحال هلاك المرهون فالمرهون إذا هلك لا يخلو اما ان يهلك بنفسه واما أن يهلك بالاستهلاك فان هلك بنفسه يهلك مضمونا بالدين عندنا والكلام في هذا الحكم في ثلاثة مواضع أحدها في بيان أصل الضمان أنه ثابت أم لا والثاني في بيان شرائط الضمان والثالث في بيان قدر الضمان وكيفيته أما الأول فقد اختلف فيه قال أصحابنا رضي الله عنهم ان المرهون يهلك مضمونا بالدين وقال الشافعي رحمه الله يهلك أمانة احتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يغلق الرهن لا يغلق الرهن لا يغلق الرهن هو لصاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه فقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام غرم الرهن على الراهن وإنما يكون غرمه عليه إذا هلك أمانة لان عليه قضاء دين المرتهن فاما إذا هلك مضمونا كان غرمه على المرتهن حيث سقط حقه لا على الراهن وهذا خلاف النص ولان عقد الرهن شرع وثيقة بالدين ولو سقط الدين بهلاك المرهون لكان توهينا لا توثيقا لأنه يقع تعريض الحق للتلف على تقدير هلاك الرهن فكان توهينا للحق لا توثيقا له (ولنا) ما روى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال الرهن بما فيه وفى رواية الرهان بما فيها وهذا نص في الباب لا يحتمل التأويل وروى أن رجلا رهن بدين عند رجل فرسا بحق له عليه فنفق الفرس عنده فطالبه المرتهن بحقه فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام ذهب حقك ولان المرتهن جعل مستوفيا للدين عند هلاك الرهن فلا يملك الاستيفاء ثانيا كما إذا استوفى بالفكاك وتقرير معنى الاستيفاء في الرهن ذكرناه في مسائل الخلاف وأما الحديث
(١٥٤)