يجب مهر المثل الا أن بينهما فرقا من وجه فإنه لو صالح عن القصاص على خمر أو خنزير لا يصح ولا يجب شئ آخر ولو تزوج امرأة على خمر أو خنزير لا تصح التسمية ويجب مهر المثل (وجه) الفرق ان الخمر إذا لم تصلح بدل الصلح بطلت تسميته وجعل لفظة الصلح كناية عن العفو وذلك جائز لان العفو الفضل وفي الصلح معنى الفضل فأمكن جعله كناية عنه وبعد العفو لا يجب شئ آخر فأما لفظ النكاح فلا يحتمل العفو ولو احتمله فالعفو عن حق الغير لا يصح فيبقى النكاح من غير تسمية فيجب مهر المثل كما إذا سكت عن المهر أصلا فهو الفرق وسواء كان البدل قدر الدية أو أقل أكثر لقوله تعالى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان قوله عز وجل فمن عفى له أي أعطى له كذا روى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وقوله عز شأنه فاتباع بالمعروف أي فليتبع مصدر بمعنى الامر فقد أمر الله تبارك وتعالى الولي بالاتباع بالمعروف إذا أعطى له شئ واسم الشئ يتناول القليل والكثير فدلت الآية على جواز الصلح من القصاص على القليل والكثير وهذا بخلاف القتل الخطأ وشبه العمد انه إذا صالح على أكثر من الدية لا يجوز والفرق ان بدل الصلح في باب الخطأ وشبه العمد عوض عن الدية وانها مقدرة بمقدار معلوم لا تزيد عليه فالزيادة على المقدر تكون ربا فاما بدل الصلح عن القصاص فعوض عن القصاص والقصاص ليس من جنس المال حتى يكون البدل عنه زيادة على المال المقدر فلا يتحقق الربا فهو الفرق وأما كون المصالح عنه معلوما فليس بشرط لجواز الصلح حتى أن من ادعى على آخر حقا في عين فأقر به المدعى عليه أو أنكر فصالح على مال معلوم جاز لان الصلح كما يصح بطريق المعاوضة يصح بطريق الاسقاط ولا يمكن تصحيحه هنا بطريق المعاوضة لجهالة أحد البدلين فيصحح بطريق الاسقاط فلا يؤدى إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسلم والقبض لان الساقط لا يحتمل ذلك وقد مران الجهالة فيما لا يحتمل التسليم والقبض لا تمنع جواز الصلح والثاني أن يكون حق المصالح والثالث أن يكون حقا ثابتا له في المحل فمالا يكون حقا له أولا يكون حقا ثابتا له في المحل لا يجوز الصلح عنه حتى لو أن امرأة طلقها زوجها ادعت عليه صبيا في يده انه ابنه منها وجحد الرجل فصالحت عن النسب على شئ فالصلح باطل لان النسب حق الصبي لا حقها فلا تملك الاعتياض عن حق غيرها ولان الصلح اما اسقاط أو معاوضة والنسب لا يحتملهما ولو صالح الشفيع من الشفعة التي وجبت له على شئ على أن يسلم الدار للمشترى فالصلح باطل لأنه لا حق للشفيع في المحل إنما الثابت له حق التمليك وهو ليس لمعنى في المحل بل هو عبارة عن الولاية وانها صفة الوالي فلا يحتمل الصلح عنه بخلاف الصلح عن القصاص لان هناك المحل يصير مملوكا في حق الاستيفاء فكان الحق ثابتا في المحل فملك الاعتياض عنه بالصلح؟ فهو الفرق وكذلك الكفيل بالنفس إذا صالح على مال على أن يبرئه من الكفالة فالصلح باطل لان الثابت للطالب قبل الكفيل بالنفس حق المطالبة بتسليم نفس المكفول بنفسه وذلك عبارة عن ولاية المطالبة وانها صفة الوالي فلا يجوز الصلح عنها فأشبه الشفعة وهل تبطل الكفالة فيه روايتان في رواية لا تبطل لأنه ما رضى بسقوط حقه الا بعوض ولم يسلم له فلا يسقط حقه وفي رواية يسقط لان الا براء لا تقف صحته على العوض فيصح وان لم يسلم العوض فإذا صح انه اسقاط فالساقط لا يحتمل العود وعلى هذا إذا كان لرجل ظلة على طريق أو كتيف شارعه أو ميزابه فخاصمه رجلا وأراد أن يطرحه فصالحه على مال فهذا لا يخلو من وجهين اما أن يكون الطريق نافذا واما أن لا يكون نافذا فإذا كان نافذا فخاصمه رجل من المسلمين وأراد طرحه فصالحه على مال فالصلح باطل لان رقبة الطريق النافذ لا تكون ملكا لاحد من المسلمين وإنما لهم حق المرور وانه ليس بحق ثابت في رقبة الطريق بل هو عيارة عن ولاية المرور وانه صفة المار فلا يجوز الصلح عنه مع ما انه لا فائدة في هذا الصلح لأنه ان سقط حق هذا الواحد بالصلح فللباقين حق القلع وكذا لو صالح الثاني مع هذا المتقدم إليه على مال يأخذ من المتقدم إليه الطرح فالصلح باطل لان الطرح واجب عليه فاخذ المال عليه يكون رشوة هذا إذا كان الطريق نافذا فأما إذا لم يكن نافذا فصالحه رجل من أهل الطريق على ما للترك فالصلح جائز لان رقبة الطريق هنا مملوكة لأهل مكة فكان لكل واحد منهم فيها
(٤٩)