وأما القياس فلانه لما جازت الهبة بالأعيان جازت الهبة بالمنافع. ولذلك صحت الوصية بالأعيان والمنافع جميعا، ولأنه سبحانه قال " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " والعارية من المعروف، وقال " وتعاونوا على البر والتقوى " والعارية من البر، والماعون والماعون كان متعارفا عليه في الجاهلية بأنه كل ما فيه منفعة من قليل أو كثير قال الأعشى:
بأجود منه بما عونه * إذا ما سماؤهم لم تغمأ وفى الاسلام الطاعة والزكاة والمعروف وأنشدوا للراعي:
أخليفة الرحمن إنا معشر * حنفاء نسجد بكرة وأصيلا عرب نرى لله في أموالنا * حق الزكاة منزلا تنزيلا قوم على الاسلام لما يمنعوا * ما عونهم ويضيعوا التهليلا أما الأحكام فإن العارية تفتقر إلى ثلاثة أشياء: معير ومستعير ومعار، فالمعير وهو كل من كان مالكا مطلق التصرف جاز أن يكون معيرا، ولا يجوز من غير مالك ولا ممنوع من التصرف. وأما المستعير فكل من صح منه قبول الهبة صح منه طلب العارية لأنها نوع من الهبة. وأما المعار فهو كل مملوك صح الانتفاع به مع بقاء عينه، ولا يصح فيما لا ينتفع به مع بقاء عينه كالمأكولات، لاختصاص العارية بالمنافع دون الرقاب.
فأما الفضة والذهب فتنقسم ثلاثة أقسام: قسم يجوز إعارته واجارته وهو الحلى لإباحة الانتفاع به مع بقاء عينه، وقسم لا تجوز اعارته ولا اجارته، وهو الأواني المحظور الانتفاع بها مع بقاء عينها، وقسم تجوز اعارته، وفى جواز اجارته وجهان وهو الدراهم والدنانير، لان في التجمل بهما نفعا، والفرق بين العارية والإجارة وان اختصا بملك المنفعة أن حكم العارية أوسع من حكم الإجارة، لأنه يجوز أن يستعير فحل ضراب ولا يجوز أن يستأجره والحيوان على أربعة أقسام: أحدها ما يجوز اعارته واجارته، وهو كل ما يقتنى المنفعة، كالدواب للانتفاع بظهورها والجوارح المنتفع بصيدها،