فرائض الله تعالى وقولك لا حبس عن فرائض الله تعالى محال لأنه فعله قبل أن تكون فرائض الله في الميراث لأن الفرائض إنما تكون بعد موت المالك وفى المرض (قال الشافعي) وحجة الذي صار إليه من أبطل الصدقات أن قال إنها في معنى البحيرة والوصيلة والحام لأن سيدها أخرجها من ملكه إلى غير مالك قيل له قد أخرجها إلى مالك يملك منفعتها بأمر جعله لله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والبحيرة والوصيلة والحام لم تخرج رقبته ولا منفعته إلى مالك فهما متباينان فكيف تقيس أحدهما بالآخر؟
(قال الشافعي) والذي يقول هذا القول يزعم أن الرجل إذا تصدق بمسجد له جاز ذلك ولم يعد في ملكه وكان صدقة موقوفا على من صلى فيه فإذا قيل له فهل أخرجه إلى مالك يملك منه ما كان مالكه يملك؟ قال لا ولكن ملك من صلى فيه الصلاة وجعله لله تبارك وتعالى فلو لم يكن عليه حجة بخلاف السنة إلا ما أجازه في المسجد مما ليس فيه سنة ورد من الدور والأرضين وفى الأرضين سنة كان محجوجا فإن قال قائل أجيز الأرضين والدور لأن في الأرضين سنة والدور مثلها لأنها أرضون تغل وأرد المساجد كان أولى أن يكون قوله مقبولا ممن رد الدور والأرضين وأجاز المساجد ثم تجاوز في المساجد إلى أن قال: لو بنى رجل في داره مسجدا فأخرج له بابا وأذن للناس أن يصلوا فيه كان حبسا وقفا وهو لم يتكلم بوقفه ولا بحبسه وجعل إذنه بالصلاة كالكلام بحبسه ووقفه (قال الشافعي) فعاب هذا القول عليه صاحباه واحتجا عليه بما ذكرنا وأكثر منه وقالا هذا جهل صدقات المسلمين في القديم والحديث أشهر من أن ينبغي أن يجهلها عالم وأجازوا الصدقات المحرمات في الدور والأرضين على ما أجزناها عليه ثم اعتدل قول أبى يوسف فيها فقال بأحسن قول فقال تجوز الصدقات المحرمات إذا تكلم بها صاحبها قبضت أو لم تقبض وذلك أنا إنما أجزناها اتباعا لمن كان قبلنا مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وغيرهم وهم ولوا صدقاتهم حتى ماتوا فلا يجوز أن نخالفهم في أن لا نجيزها إلا مقبوضة وهم قد أجازوها غير مقبوضة بالكلام بها فنوافقهم في إجازتها (قال الشافعي) وما قال فيها أبو يوسف كما قال (قال الشافعي) أخبرني غير واحد من آل عمر وآل على أن عمر ولى صدقته حتى مات وجعلها بعده إلى حفصة وولى على صدقته حتى مات ووليها بعده الحسن ابن علي رضي الله عنهما وأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وليت صدقتها حتى ماتت وبلغني عن غير واحد من الأنصار أنه ولى صدقته حتى مات (قال الشافعي) وفى أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يسبل ثمر أرضه ويحبس أصلها دليل على أنه رأى ما صنع جائزا فبهذا نراه بلا قبض جائزا ولم يأمره أن يخرجه عمر من ملكه إلى غيره إذا حبسه ولما صارت الصدقات مبدأة في الاسلام لا مثال لها قبله علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فلم يكن فيما أمره به إذا حبس أصلها وسبل ثمرتها أن يخرجها إلى أحد يحوزها دونه دلالة على أن الصدقة تتم بأن يحبس أصلها ويسبل ثمرتها دون وال يليها كما كان في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا إسرائيل أن يصوم ويستظل ويجلس ويتكلم دلالة على أن لا كفارة عليه ولم يأمره في ذلك بكفارة (قال الشافعي) وخالفنا بعض الناس في الصدقات المحرمات فقال لا تجوز حتى يخرجها المتصدق بها إلى من يحوزها عليه والحجة عليه ما وصفنا وغيره من افتراق الصدقات الموقوفات وغيرها مما يحتاج فيه إلى أن لا يتم الا بقبض.