ملكه إلى من يليها دونه في حياته لمن تصدق بها عليه كانت منتقضة وأنزلها منزلة الهبات، وتابعنا بعض المدنيين فيها وخالفنا في الهبات (قال الشافعي) فقلت له قد حفظنا عن سلفنا ما وصفت وما أعرف عن أحد من التابعين أنه أبطل صدقة بأن لم يدفعها المتصدق بها إلى وال في حياته وما هذا إلا شئ أحدثه منهم من لا يكون قوله حجة على أحد وما أدرى لعله سمع قولكم أو قول بعض البصريين فيه فاتبعه فقال وأنا أقوم بهذا القول عليك قلت له هذا قول تخالفه فكيف تقوم به؟ قال أقوم به لمن قاله من أصحابنا وأصحابك فأقول إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحل عائشة جداد عشرين وسقا فمرض قبل تقبضه فقال لها لو كنت خزنتيه وقبضتيه كان لك وإنما هو اليوم مال الوارث وإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال " ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها فإن مات أحدهم قال مال أبى نحلنيه وإن مات ابنه قال مالي وبيدي لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد حتى يكون إن مات أحق بها " وأنه شكى إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قول عمر فرأى أن الوالد يجوز لولده ما داموا صغارا، فأقول إن الصدقات الموقوفات قياسا على هذا ولا أزعم ما تزعمت من أنها مفترقة فقلت له أفرأيت لو اجتمعت هي والصدقات في معنى واختلفتا في معنيين أو أكثر الجمع بينهما أولى بتأويل أو التفريق؟ قال بل التفريق فقلت له أفرأيت الهبات كلها والنحل والعطايا سوى الوقف لو تمت لمن أعطيها ثم ردها على الذي أعطاها أو لم يقبلها منه أو رجعت إليه بميراث أو شراء أو غير ذلك من وجوه الملك أيحل له أن يملكها؟ قال نعم: قلت ولو تمت لمن اعطيها حل له بيعها وهبتها؟ قال نعم: قلت أفتجد الوقف إذا تم لمن وقف له يرجع إلى مالكه أبدا بوجه من الوجوه أو يملكه من وقف عليه ملكا يكون له فيه بيعه وهبته وأن يكون موروثا عنه؟ قال: لا، قلت والوقوف خارجة من ملك مالكها بكل حال ومملوكة المنفعة لمن وقفت عليه غير مملوكة الأصل؟ قال نعم: قلت أفترى العطايا تشبه الوقوف في معنى واحد من معانيها؟ قال في أنها لا تجوز إلا مقبوضة: قلت كذلك. قلت أنت فأراك جعلت قولك أصلا قال قسته على ما ذكرت إن خالف بعض أحكامه: قلت فكيف يجوز أن يقاس الشئ بخلافه وهي مخالفة ما ذكرت من العطايا غيرها؟ أو رأيت لو قال لك قائل أراك تسلك بالعطايا كلها مسلكا واحدا فأزعم أن الرجل إذا أوجب الهدى على نفسه بكلام أو ساقه أو قلده أو أشعره كان له أن يبيعه ويهبه ويرجع لأنه لمساكين الحرم ولم يقبضوه أله ذلك؟ قال: لا. قلت وأنت تقول لو دفع رجل إلى وال مالا يحمل به في سبيل الله أو يتصدق به متطوعا لم يكن له أن يخرجه من يدي الوالي بل يدفعه؟ قال نعم قال ما العطايا بوجه واحد قلت فعمدت إلى ما دلت عليه السنة وجاءت الآثار بإجازته من الصدقات المحرمات فجعلته قياسا على ما يخالفه وامتنعت من أن تقيس عليه ما هو أقرب منه مما لا أصل فيه تفرق بينه وبينه. قال: وقلت له لو قال لك قائل أنا أزعم أن الوصية لا تجوز إلا مقبوضة. قال وكيف تكون الوصية مقبوضة؟ قلت بأن يدفعها الموصى إلى الموصى له ويجعلها له بعد موته فإن مات جازت وإن لم يدفعها لم تجز كما أعتق رجل مماليك له فأنزلها النبي صلى الله عليه وسلم وصية، وكما يهب في المرض فيكون وصية قال ليس ذلك له. قلت: فإن قال لك ولم؟ قال أقول لأن الوصايا مخالفة للعطايا في الصحة قلت: فاذكر من قال لك يجوز بغير ما وصفنا من السلف. قال ما أحفظه عن السلف وما أعلم فيه اختلافا: قلنا فبان لك أن المسلمين فرقوا بين العطايا! قال ما وجدوا بدا من التفريق بينهما. قلت: والوصايا بالعطايا أشبه من الوقف بالعطايا فإن الموصى أن يرجع في وصيته بعد الاشهاد عليها ويرجع في ماله إن مات من أوصى له بها أو ردها فكيف باينت بين
(٥٦)