النضير (قال الشافعي) أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بنى النضير فقال قائل:
وهان على سراة بنى لؤي * حريق بالبويرة مستطبر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإن قال قائل فقد نهى بعد التحريق في أموال بنى النضير؟ قيل له إن شاء الله تعالى إنما نهى عنه أن الله عز وجل وعده بها فكان تحريقه إذهابا منه لعين ماله وذلك في بعض الأحاديث معروف عند أهل المغازي فإن قال قائل فهل حرق أو قطع بعد ذلك؟ قيل نعم قطع بخيبر وهي بعد بنى النضير وبالطائف وهي آخر غزوة غزاها لقى فيها قتالا فإن قال قائل كيف أجزت الرمي بالمنجنيق وبالنار على جماعة المشركين فيهم الولدان والنساء وهم منهى عن قتلهم؟ قيل أجزنا بما وصفنا وبأن النبي صلى الله عليه وسلم شن الغارة علي بنى المصطلق غارين وأمر بالبيات وبالتحريق والعلم يحيط أن فيهم الولدان والنساء وذلك أن الدار دار شرك غير ممنوعة وإنما نهى أن تقصد النساء والوالدان بالقتل إذا كان قاتلهم يعرفهم بأعيانهم للخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم سباهم فجعلهم مالا وقد كتب هذا قبل هذا فإن كان في الدار أسارى من المسلمين أو تجار مستأمنون كرهت النصب عليهم بما يعم من التحريق والتغريق وما أشبه غير محرم له تحريما بينا وذلك أن الدار إذا كانت مباحة فلا يبين أن تحرم بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه وإنما كرهت ذلك احتياطا ولان مباحا لنا لو لم يكن فيها مسلم أن تجاوزها فلا نقاتلها وإن قاتلناها قاتلناها بغير ما يعم من التحريق والتغريق ولكن لو التحم المسلمون أو بعضهم (1) فكان الذي يرون أنه ينكأ من التحمهم يغرقوه أو يحرقوه كان ذلك رأيت لهم أن يفعلوا ذلك ولم أكرهه لهم بأنهم مأجورون أجرين أحدهما الدفع عن أنفسهم والآخر نكاية عدوهم غير ملتحمين فتترسوا بأطفال المشركين فقد قيل لا يتوقون ويضرب المتترس منهم ولا يعمد الطفل وقد قيل يكف عن المتترس به ولو تترسوا بمسلم رأيت أن يكف عمن تترسوا به إلا أن يكون المسلمون ملتحمين فلا يكف عن المتترس ويضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في شئ من هذه الحالات مسلما أعتق رقبة وإذا حاصرنا المشركين فظفرنا لهم بخيل أحرزناهم أو بنابها عنهم فرجعت علينا واستلحمنا وهي في أيدينا أو خفنا الدرك وهي في أيدينا ولا حاجة لنا بركوبها إنما نريد غنيمتها أو بنا حاجة إلى ركوبها أو كانت معها ماشية ما كانت أو نحل أو ذو روح من أموالهم مما يحل للمسلمين اتخاذه لمأكلة فلا يجوز عقر شئ منها ولا قتله بشئ من الوجوه إلا أن نذبحه كما قال أبو بكر (لا تعقروا شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تغرقن نخلا ولا تحرقنه) فإن قال قائل فقد قال أبو بكر (ولا تقطعن شجرا مثمرا فقطعته) قيل فإنا قطعناه بالسنة واتباع ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أولى بي وبالمسلمين ولم أجد لأبي بكر في ذوات الأرواح مخالفا من كتاب ولا سنة ولا مثله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حفظت فلو لم يكن فيه إلا اتباع أبى بكر كانت في اتباعه حجة مع أن السنة تدل على مثل ما قال أبو بكر في ذوات الأرواح من أموالهم فإن قال قائل ما السنة؟ قلنا أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى بنى عامر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتله) قيل يا رسول الله وما حقها؟ قال (أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها) وقد نهى