أنزل الله وقال الله عز وجل (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) قال فما معنى قوله (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) قلنا في أن تؤخذ منهم الجزية قال فما دل على أنه كلام خاص قلنا لو كان عاما أكلنا ذبائحهم ونكحنا نساءهم (قال الشافعي) فقال ففي المشركين الذين تؤخذ منهم الجزية حكم واحد أو حكمان؟ قيل بل حكمان قال وهل يشبه هذا شئ؟ قلنا نعم حكم الله جل ثناؤه فيمن قتل من أهل الكتاب وغيرهم قال فإنا نزعم أن غير المجوس ممن لا تحل ذبيحته ولا نساؤه قياسا على المجوس قلنا فأين ذهبت عن قول الله عز وجل (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) إلى (فخلوا سبيلهم) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) فإن زعمت أنها والحديث منسوخان بقول الله عز وجل (حتى يعطوا الجزية) وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) قلنا فإذ زعمت ذلك دخل عليك أن تكون العرب ممن يعطون الجزية وإن لم يكونوا أهل كتاب قال فإن قلت لا يصلح أن تعطى العرب الجزية قلنا أو ليسوا داخلين في اسم الشرك؟ قال بلى ولكن لم أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم جزية قلنا أفعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ جزية من غير كتابي أو مجوسي؟ قال لا قلنا فكيف جعلت غير الكتابين من المشركين قياسا على المجوس؟ أرأيت لو قال لك قائل بل آخذها من العرب دون غيرهم ممن ليس من أهل الكتاب ما تقول له؟ قال أفتزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من عربي؟ قلنا نعم وأهل الاسلام يأخذونها حتى الساعة من العرب قد صالح النبي صلى الله عليه وسلم أكيدر الغساني في غزوة تبوك وصالح أهل نجران واليمن ومنهم عرب وعجم وصالح عمر رضى الله تعالى عنه نصارى بنى تغلب وبنى نمير إذا كانوا كلهم يدينون دين أهل الكتاب وهم تؤخذ منهم الجزية إلى اليوم (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولو جاز أن يزعم أن إحدى الآيتين والحديثين ناسخ للاخر جاز أن يقال الامر بأن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب في القرآن ومن المجوس في السنة منسوخ بأمر الله عز وجل أن نقاتل المشركين حتى يسلموا وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) ولكن لا يجوز أن يقال واحد منهما ناسخ إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمضيان جميعا على وجوههما ما كان إلى إمضائهما سبيل بما وصفنا وذلك إمضاء حكم الله عز وجل وحكم رسوله معا وقولك خارج من ذلك في بعض الأمور دون بعض قال فقال لي أفعلى أي شئ الجزية؟ قلنا على الأديان لا على الأنساب ولوددنا أن الذي قلت على ما قلت إلا أن يكون لله سخط وما رأينا الله عز وجل فرق بين عربي ولا عجمي في شرك ولا إيمان ولا المسلمون أنا لنقتل كلا بالشرك ونحقن دم كل بإسلام ونحكم على كل بالحدود فيما أصابوا وغيرها (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وإذا ظهر المسلمون على رجال من العدو فأسروهم فأسلموا بعد الأسئار في فهم مرقوقون لا تحل دماؤهم وأي حال أسلموا فيها قبل الأسئار حقنوا دماءهم وأحرزوا أموالهم إلا ما حووا قبل أن يسلموا وكانوا أحرارا ولم يسب من ذراريهم أحد صغير فأما نساؤهم وأبناءهم البالغون فحكمهم حكم أنفسهم في القتل والسبي لا حكم الأب والزوج وكذلك إن أسلموا وقد حصروا في مدينة أو بيت أو أحاطت بهم الخيل أو غرقوا في البحر فكانوا لا يمتنعون ممن أراد أخذهم أو وقعوا في نار أو بئر وخرجوا وكانوا غير ممتنعين كانوا بهذا كله محقوني الدماء ممنوعين من أن يسبوا ولكن لو سبوا فربطوا أو سجنوا غير مربوطين أو صاروا إلى الاستسلام فأمر بهم الحاكم قوما يحفظونهم فأسلموا حقنت دماؤهم وجرى السبي عليهم فإن قال ما فرق بين هذه الحال وبين المحاط بهم في صحراء أو بيت أو مدينة؟ قيل قد يمتنع أولئك حتى يغلبوا من أحاط بهم أو
(٢٥٥)