يأتيهم المدد أو يتفرقون عنهم فيهربوا وليس من كان بهذه الحال ممن يقع عليه اسم السبي إنما يقع عليه اسم السبي إذا حوى غير ممتنع ولو أسر جماعة من المسلمين فاستعان بهم المشركون على مشركين مثلهم ليقاتلوهم فقد قيل يقاتلونهم وقيل قاتل الزبير وأصحاب له ببلاد الحبشة مشركين عن مشركين ومن قال هذا القول قال وما يحرم من القتال معهم ودماء الذين يقاتلونهم وأموالهم مباحة بالشرك ولو قال قائل قتالهم حرام لمعان منها أن واجبا على من ظهر من المسلمين على المشركين فغنم فالخمس لأهل الخمس وهم متفرقون في البلدان وهذا لا يجد السبيل إلى أن يكون الخمس مما غنم لأهل الخمس ليؤديه إلى الإمام فيفرقه وواجب عليهم إن قاتلوا أهل الكتاب فأعطوا الجزية أن يحقنوا دماءهم وهذا إن أعطوا الجزية لم يقدر على أن يمنعهم حتى يحقنوا دماءهم كان مذهبا وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب إلى أن لا يقاتلوا ولا نعلم خبر الزبير يثبت ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه وإذا غزا المسلمون بلاد الحرب فسرت سرية كثيرة أو قليلة بإذن الإمام أو غير إذنه فسواء ولكني أستحب أن لا يخرجوا إلا بإذن الإمام لخصال منها أن الإمام يغنى عن المسألة ويأتيه من الخبر ما لا تعرفه العامة فيقدم بالسرية حيث يرجو قوتها ويكفها حيث يخاف هلكتها وإن أجمع لأمر الناس أن يكون ذلك بأمر الإمام وإن ذلك أبعد من الضيعة لأنهم قد يسيرون بغير إذن الإمام فيرحل ولا يقيم عليهم فيتلفون إذا انفردوا في بلاد العدو ويسيرون ولا يعلم فيرى الإمام الغارة في ناحيتهم فلا يعينهم ولو علم مكانهم أعانهم وأما أن يكون ذلك يحرم عليهم فلا أعلمه يحرم، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجنة فقال له رجل من الأنصار إن قتلت صابرا محتسبا؟ قال (فلك الجنة) قال فانغمس في جماعة العدو فقتلوه وألقى رجل من الأنصار درعا كانت عليه حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ثم انغمس في العدو فقتلوه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رجلا من الأنصار تخلف عن أصحابه ببئر معونة فرأى الطير عكوفا على مقتلة أصحابه فقال لعمرو بن أمية سأتقدم إلى هؤلاء العدو فيقتلوني ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابنا ففعل فقتل فرجع عمرو بن أمية فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا حسنا ويقال فقال لعمرو فهلا تقدمت فقاتلت حتى تقتل؟ فإذا حل الرجل المنفرد أن يتقدم على الجماعة الأغلب عنده وعند من رآه أنها ستقتله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رآه حيث لا يرى ولا يأمن كان هذا أكثر مما في انفراد الرجل والرجال بغير إذن الإمام (قال الشافعي) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار) الآية وقال (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) إلى قوله (والله مع الصابرين) أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما (1) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهذا كما قال ابن عباس ومستغن بالتنزيل عن التأويل لما كتب الله عز وجل من أن لا يفر العشرون من المائتين فكان هذا الواحد من العشرة ثم خفف الله عنهم فصير الامر إلى أن لا تفر المائة من المائتين وذلك أن لا يفر الرجل من الرجلين (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن ابن عباس قال: من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وهذا مثل معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول ابن عباس وقولنا وهؤلاء الخارجون من السخط إن فروا من أكثر منهم حتى يكون الواحد فر من ثلاثة فصاعدا فيما نرى
(٢٥٦)