يعبرون عليه إلى بلاياهم، وسلما إلى ضلالهم.
جاء في رسالة الإمام زين العابدين للزهري:
(كفانا الله وإياك من الفتن، ورحمك من النار، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يرحمك.. فقد أثقلتك نعم الله بما أصح من بدنك، وأطال من عمرك. وقامت عليك حجج الله بما حملك من كتابه، وفقهك فيه من دينه وعرفك فيه من سنة نبيه، فانظر أي رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها.
ولا تحسبن الله قابلا منك بالتعذير، ولا راضيا منك بالتقصير، هيهات!
هيهات! ليس كذلك، أخذ على العلماء في كتابه إذ قال: لتبيننه للناس ولا تكتمونه. واعلم أن أدنى ما كتمت، وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم، وسهلت له طريق الغي بدنوك منه حين دنوت، وإجابتك له حين دعيت.. فما أخوفني بإثمك غدا مع الخونة، وأن تسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة، إنك أخذت ما ليس لك ممن أعطاك، ودنوت ممن لم يرد على أحد حقا، ولم ترد باطلا حين أدناك، وأحببت من حاد الله، أو ليس بدعائه إياك حين دعاك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلما إلى ضلالهم، داعيا إلى غيهم، سالكا سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمروا لك فكيف ما خربوا عليك..
فانظر لنفسك، فإنه لا ينظر إليها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول.. وانظر كيف شكرك لمن غذاك في نعمه صغيرا أو كبيرا، فما أخوفني عليك أن تكون كما قال الله في كتابه: فخلف من بعدهم خلف... - الآية. إلى آخر الرسالة الخالدة (1).
بهذا فقد عرفنا شيئا من سر إكراه السلطان للزهري على تدوين السنة، وسر استحيائه من أن يكتبها للسلطان ولا يكتبها للناس.