البحث الحادي عشر في: ما يسجد عليه (279) اختلف المسلمون هنا
(٢٧٩) أن السجود على الأرض، وما أنبتت من غير المأكول والملبوس، هو مما أجمع المسلمون على صحته - إماميون وغير إماميين - ذلك، لأن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قال: (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا).
وأما الكلام والبحث هنا، فإنما هو في مدى جوازالسجود على المأكول والملبوس، فغير الإمامية: تجوزه، وأما الإمامية: فلا تجوزه، وذلك لسببين:
أو لا: فعل النبي (صلى الله عليه وآله) وصحبه إن النبي (صلى الله عليه وآله)، كان لا يسجد على المأكول والملبوس، كما هو المستفاد من أحاديث كثيرة:
الأول: إن الرسول (صلى الله عليه وآله) سجد على الطين، في يوم مطير، حتى رأى الأصحاب الطين في جبهته الشريفة، كما في: صحيح البخاري: ج ١ ص ٦٠، كتاب التيمم، وكذلك: ج ٢ ص ١٠٢.
ويروي القرطبي حديثا، آخره:.. (فانصرف النبي (صلى الله عليه وآله) من صلاته، وعلى جبهته وأرنبته:
أثر الماء والطين)، كما في: سنن البيهقي: ج ٢ ص ٢٨٥.
فإذا كان يجوزالسجود على غير التراب، ترى لم لوث النبي جبهته الشريفة بالطين؟ في حين كان بإمكانه السجود على: الثوب، أو المنديل، أو السجاد، أو غيرها، نعم، يستفاد من هذه البادرة: أنه كان يريد أن يعلمنا، بلزوم السجود على الأرض.
الثاني: أنه (صلى الله عليه وآله) كان يصلي على الحصير، فهذا ابن عمر يقول: مطرنا ذات ليلة، فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يأتي بالحصاء في ثوبه، فيبسطه تحته فيصلي عليه..، فلما رأى رسول الله ذلك قال: (ما أحسن هذا البساط)، كما في السنن الكبرى لأبي داوود: ج ١ ص ٧٥.
وروي عن جابر بن عبد الله: (كنت أصلي مع رسول الله الظهر، فأخذ قبضة من الحصى في يده لتبرد، حتى نسجد عليه من شدة الحر)، كما في صحيح البخاري: ج ١ ص ١٦٣، ص ١٩٨، ثم ج ٢ ص ٢٥٣.
كما أن البيهقي في سننه: ج ٢ ص ١٠٥، أنه يروي عن الخباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شدة الحر، في جباهنا واكفنا، فلم يشكنا.
فإذا كان الرسول، يجوزالسجود على المأكول والملبوس، عندئذ لاستمع لشكوى خباب، ولأذن لهم بالسجود على شئ يمنع عن وجوههم رمضاء الهجير.
الثالث: إن النبي (صلى الله عليه وآله)وأغلب المسلمين كان بساطهم من جريد النخل، فهذا أبو داوود يقول في سننه الكبرى: ص ٤٣٤: كان بساط النبي (صلى الله عليه وآله) من جريد النخل، وكان يصلي على الخمرة، كما أخرجه كذلك: الترمذي في صحيحه: ج ٢ ص ١٢٦.
هذا، ومعلوم يكون: إن الخمرة: هي قطعة حصير متلاحمة.
ثانيا: سيرة الصالحين حيث كان أغلب الأولياء الصالحين، يسجدون على الأرض.
فهذا الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، كان يسجد على تراب قبر أبيه الشهيد.
كذلك فعل الشئ ذاته الإمام الباقر (عليه السلام)، وبقية أهل البيت (عليهم السلام)، وفعله أيضا جمع من الأصحاب مقتدين بهم، صلوات الله عليهم أجمعين.
هذا، وقد نقل في بعض مؤلفات أبي بكر بن شيبة: أن مسروق بن الأجدع، كان إذا سافر أخذ معه لبنة، ليصلي عليها.
ليس هذا فقط، وإنما الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد، المطبوع عام 1082 ه: 26، قال ما نصه:
وأما السجود فلا يجوز، إلا على الأرض، أو ما انبتته الأرض، مما لا يؤكل ولا يلبس في غالب العادة، ومن شرطه: أن يكون مباح التصرف فيه، خاليا من النجاسة.
وذكر أيضا في صفحة 677 منه ما نصه: وروى معاوية بن عمار قال: كان لأبي عبد الله (عليه السلام):
خريطة ديباج صفراء، فيها تربة أبي عبد الله (ع)، فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه.
ثم قال (عليه السلام): إن السجود على تربة أبي عبد الله (عليه السلام) يخرق الحجب السبع.