جميع عوائد الناس من تجاراتهم وصناعاتهم وزراعاتهم وغير ذلك لشخص واحد بشخصه لو كان في مقام العدالة بل والعصمة أيضا؟!
وهل لا ينافي هذا التشريع حقيقة الإسلام وروحه المنعكسة في قوله - تعالى -: " كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم "؟! (1) وأي حاجة للشخص بالنسبة إلى هذه الأموال الكثيرة الواسعة بسعة الأرض والناس إليها في حاجة شديدة؟
وليست التشريعات الإسلامية جزافية بل تكون على طبق مصالح النفس الأمرية.
ويؤيد ما ذكرناه أن الأرضين الموات تكون من الأنفال وتكون للإمام بلا إشكال، وقد نرى أن الكتاب والسنة حكما بكون الأرض باطلاقها للناس: قال الله - تعالى -: " والأرض وضعها للأنام. " وفى خبر يونس، عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: " إن الأرض لله - تعالى - جعلها وقفا على عباده فمن عطل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علة أخذت من يده ودفعت إلى غيره. الحديث. " (2) فتأمل.
وفى رسالة المحكم والمتشابه نقلا عن تفسير النعماني باسناده عن على (عليه السلام) بعد ما ذكر الخمس وأن نصفه للامام قال: " إن للقائم بأمور المسلمين بعد ذلك الأنفال التي كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). قال الله - عز وجل -: " يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله الرسول. وانما سألوا الأنفال ليأخذوها لأنفسهم فأجابهم الله بما تقدم ذكره. الحديث. " (3) فجعل فيه الأنفال للقائم بأمور المسلمين، وظاهره كونها له بما أنه قائم بأمورهم، فهي من الأموال العامة وتكون ملكا لمنصب الإمامة، ولا محالة يستفاد منها في طريق مصالح الإمامة والأمة.
ولا يوجد عندنا فرق أساسي بين كون المال للإمام بما هو إمام أو للمسلمين بما هم مسلمون، فإن ولى المسلمين ومن يتولى صرف ما لهم في مصالحهم هم الإمام، وما للإمام أيضا لا يصرف في مصارفه الشخصية إلا أقل قليل منه وهى أيضا من أهم المصالح العامة.