وإياك والمن على رعيتك بإحسانك، أو التزيد فيما كان من فعلك (1) أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك، فإن المن يبطل الإحسان، والتزيد يذهب بنور الحق، والخلف يوجب المقت عند الله والناس قال الله تعالى: (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، أو التسقط فيها عند إمكانها (2) أو اللجاجة فيها إذا تنكرت أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كل أمر موضعه، وأوقع كل أمر موقعه.
وإياك والإستئثار بما الناس فيه أسوة، (3) والتغابي عما تعنى به. (4) مما قد وضح للعيون; فإنه مأخوذ منك لغيرك; وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور، وينتصف منك للمظلوم; املك حمية أنفك (5)، وسورة حدك، وسطوة يدك، وغرب لسانك; واحترس من كل ذلك بكف البادرة، وتأخير السطوة، حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار، ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك.
والواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة، أو سنة فاضلة، أو أثر عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، أو فريضة في كتاب الله، فتقتدي بما شاهدت مما عملنا [به] فيها، وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا، وآستوثقت به من الحجة لنفسي عليك; لكيلا تكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها. وأنا أسأل الله بسعة رحمته، وعظيم قدرته على إعطاء كل رغبة أن يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الاقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه، مع حسن الثناء في العباد، وجميل الأثر في البلاد، وتمام النعمة، وتضعيف الكرامة (6)، وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة، إنا إليه راجعون. والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا، والسلام.