المسألة الثالثة:
فيما ورد في إحياء الأرضين الموات والترغيب فيه وأحقية المحيي بها:
قد مر منا في أول الجهة السادسة من فصل الغنائم تقسيم للأرضين وإشارة إجمالية إلى أحكامها، وقلنا هناك: إن الأرض إما موات وإما عامرة، وكل منهما إما أن تكون كذلك بالأصالة أو عرض لها ذلك، فهي أربعة أقسام:
أما الموات بالأصالة فلا إشكال ولا خلاف منا في كونها من الأنفال وكونها للإمام بما هو إمام. ومثلها العامرة بالأصالة أي لامن معمر كالغابات سواء كانتا في بلاد الإسلام أو في بلاد الكفر، إذ لم يتحقق فيهما ما هو السبب والملاك لمالكية الأشخاص أعني الإحياء والعمل.
وبينا في الجهة الثانية من فصل الأنفال معنى كونها للإمام وقلنا إنها ليست ملكا لشخص الإمام المعصوم، بل هي أموال عامة وضعها الله للأنام وجعل زمام أمرها بيد سائس المسلمين من الرسول أو الإمام حسما للتنازع والخصام فلا يجوز لأحد التصرف فيها إلا بإذنه وإجازته.
وبينا في القسم الثاني من الأنفال أعني الأرض الموات معنى الموات والخراب بالتفصيل، فراجع.
إذا عرفت هذا فنقول: إحياء الموات جائز إجمالا بالنص والإجماع والسيرة العملية، بل هو مستحب مرغب فيه لما فيه من تحصيل الرزق المأمور به في قوله - تعالى -: " فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه. " اللهم إلا أن يقال: إن الأمر في مقام توهم الحظر لا يدل على أزيد من الجواز.