ولا يملكون الأرضين إلا تبعا لها بحيث تزول بزوالها، وإذا تركها أو أخربها المحيي قبلها الإمام غيره لئلا تتعطل الأرضون التي هي منبع الأرزاق للإنسان وجميع الحيوانات. وقد أشير إلى ذلك في مرسلة يونس، عن العبد الصالح (عليه السلام)، قال: إن الأرض لله - تعالى - جعلها وقفا على عباده، فمن عطل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علة أخذت من يده ودفعت إلى غيره... " (1) ويمكن القول بما ذكرناه في الأراضي المفتوحة عنوة أيضا، بتقريب أن ما ينتقل إلى المسلمين بالاغتنام ليس إلا ما ملكه الكفار بإحيائهم، وليس هذا إلا آثار عملهم نشاطاتهم، ورقبة الأرض باقية بحالها الأول من كونها من الأموال العامة الواقعة تحت اختيار سائس المجتمع، وإن شئت قلت: إنهم ملكوا الأرض تبعا للآثار، وبالغلبة الاغتنام لا يملك المسلمون أزيد من ذلك، فإذا خربت الأرض رجعت إلى ما كانت عليه قبل الإحياء والعمران.
ويمكن أن يتفرع على ما ذكرنا انه لو خرب المسجد المبني في الأرض المحياة أو المفتوحة عنوة ولو بظلم ظالم بحيث زالت آثاره وحيطانه وصارت الأرض مواتا بالكلية جاز القول بخروجه عن المسجدية وارتفاع أحكامه من حرمة التنجيس ومكث الجنب وجوب التطهير ونحو ذلك، إذ لا وقف إلا في ملك.
فالمحيي لا يقف ولا يجعل مسجدا إلا ما كان له من حيثية الإحياء وآثاره، ولم يملك رقبة الأرض إلا تبعا للآثار فمسجديتها أيضا كانت بالتبع، فإذا زالت الآثار انعدم موضوع المسجدية، والعرف أيضا لا يراه بعد الخراب مسجدا، والأحكام ثبتت للمسجد بالفعل، وبقاء حق الأولوية بالنسبة إلى الأرض لو سلم لا يستلزم بقاء عنوان المسجدية، فتأمل.
ولو وقف دارا أو حماما أو خانا أو بستانا ثم خربت وزالت عناوينها زالت