قلت: نعم، لو فرض أن الإمام يرى نقل الرقبة بالبيع أو الهبة مثلا مصلحة للمسلمين فله ذلك ولا ننكر جوازه، وإنما المدعى أن إذنهم في الإحياء لا يقتضي أزيد من ملكية حيثية الإحياء وآثاره، وهو المستفاد من أخبار الباب بعد ضم بعضها إلى بعض.
فإن قلت: إذا كان أساس الملكية الاعتبارية المعتبرة عند العقل والشرع نحوا من الملكية التكوينية على ما مر منكم فكيف يصح للإمام بيع رقبة الأرض وكيف تصير ملكا للمشتري مع أنها لم تحصل بفعله ونشاطاته؟
قلت: المشتري يحصل الثمن بقواه وفاعليته أو يحصل له بالوراثة من أبيه مثلا وأبوه حصله بفاعليته، فبالأخرة يكون أساس مالكيته للثمن فاعلية نفسه أو مورثه، والوراثة قانون طبيعي موافق لنظام الحياة، والأرض المشتراة تصير بدلا عن الثمن الذي ملكه بالفاعلية أو الوراثة.
والمعاملات أمور ضرورية للبشر، إذ لا يمكن لكل شخص تحصيل جميع المحاويج بصنع نفسه مباشرة، فلا بد له من تبديل بعض منتجات صنعه وعمله بنتائج صنع الآخرين إما بلا واسطة أو بواسطة النقود والأثمان. والهبة التي يستحسنها العقل والاعتبار هي التي تقع في قبال خدمة نافعة تصدر من قبل الموهوب له، ولا يقع من قبل الإمام الصالح أمر جزافي بلا ملاك، فتدبر. هذا.
والاعتبار العقلي أيضا يساعد على بقاء صلة الأئمة بما أنهم حكام البلاد وساسة العباد بالأرضين بما فيها من المعادن والأنهار والجبال والآجام، إذ هي أموال عامة خلقها الله - تعالى - لجميع الأنام وعليها يبتني نظام معاشهم ومعادهم، ولو فرض خروجها بالإحياء متدرجا عن الملكية العامة بالكلية وصيرورتها متعلقة بالأشخاص فربما أوجب ذلك حرمان الأعقاب والأجيال الآتية وضعف قدرة الأئمة اللاحقة، فالأنسب بالعدل والإنصاف أن لا يكون للرعايا إلا آثار أفعالهم ونشاطاتهم