إدريس غيرهم الإفتاء بمضمونها، بل قد ترى الأصحاب في كلماتهم يتمسكون بالصحاح المذكورة ولا سيما بصحيحة الكابلي في الأبواب المختلفة، بحيث يظهر منهم اعتناؤهم بها. ولعل عدم إفتائهم بوجوب الطسق في عصر الغيبة كان بلحاظ أخبار التحليل للشيعة لا بسبب الإعراض عن هذه الصحاح واختيار انقطاع صلة الإمام بالأرض.
وقد عرفت منا أنه لو فرض انعقاد حكومة صالحة حقة في عصر الغيبة أمكن القول بجواز أخذ الطسق له وتعيين ضوابط خاصة للإحياء وكيفياته.
ولو سلم عدم إفتاء المشهور بالصحاح المذكورة فلا يثبت بذلك الإعراض المسقط عن الحجية، إذ لعلهم صنعوا ذلك لعلاج مشكلة التعارض بينها وبين صحيحة ابن سنان نحوها ترجيحا لها على هذه الصحاح، لا أنهم وجدوا فيها خللا من حيث السند أو الدلالة أو الجهة.
فإن قلت: بعد اللتيا والتي إنكار ملكية رقبة الأرض بالإحياء وفرض الطسق على من أحياها مخالف للسيرة القطعية المستمرة من عصر الأئمة (عليهم السلام) إلى زماننا هذا، حيث يرى المحيي نفسه مالكا لرقبتها ويعامل عليها معاملة الملاك، ولا يلتزم عملا بالطسق والخراج أصلا. وحمل الصحاح الثلاث على عصر ظهور الحجة (عليه السلام) أيضا لا مجال له بعد كون الكلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) الظاهر في بيان الحكم لعصره وما بعده.
قلت: مضافا إلى النقض بالأراضي المفتوحة عنوة كأراضي مكة المعظمة والعراق السورية ومصر فإنه يعامل عليها معاملة الأملاك بلا طسق ولا خراج مع أن الأرض فيها للمسلمين والخراج ثابتة فيها بلا إشكال:
إن السيرة المدعاة إن أريد بها سيرة الشيعة المتعبدين بنصوص أهل البيت - عليهم السلام - ففيها أن عدم إعطائهم الطسق فيها وكذا في أراضي الخراج لعله كان بلحاظ أخبار التحليل لا بلحاظ ملكية الرقبة وانقطاع صلة الإمام عنها، بل