ولو فيما مضى وعلى وجه الابهام كالمجوس - كما نطقت به روايات - لا بالنسبة إلى غيرهم كالصابئين، الذين أصل وجود كتاب سماوي أو نبي لهم أول الكلام.
وبعد ذلك كله، فالحق هو التفصيل بين فرقة منهم يدعون أنهم من النصارى أو اليهود أو المجوس، أو تشهد أعمالهم وعاداتهم على أنهم منهم وإن خالفوهم في الفروع، فتقبل الجزية منهم.
وبين طائفة منهم يدعون أو يظهر من ظاهر أعمالهم وأقوالهم أنهم عبدة - الأوثان والأصنام، غير معتقدين بنبوة عيسى وموسى عليهما السلام، فلا تقبل منهم.
إلى هنا تم الكلام في الصابئين، وإنما أطلنا البحث فيهم لتشتت الأقوال والأنظار فيهم ولابتلاء مجتمع المسلمين والحكومة الإسلامية بهم.
حكم سائر الكفار:
قد تحصل إلى هنا، أنه لا إشكال عند فقهاء الأمة في قبول الجزية من اليهود، والنصارى، والمجوس، والمشهور بين أصحابنا عدم قبولها من الصابئين، وأكثر العامة على خلاف ذلك.
وأما غير هذه النحل من سائر الكفار، فقد ذهب الأصحاب إلى عدم قبولها منهم، والحكم بين العامة خلافي، فلنذكر أولا المهام من عبائرهم.
قال الشيخ في الخلاف: (لا يجوز أخذ الجزية من عباد الأوثان، سواء كانوا من العجم أو من العرب، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: تؤخذ من العجم ولا تؤخذ من العرب. وقال مالك: تؤخذ من جميع الكفار إلا مشركي قريش) (1).
وقال في النهاية: (كل من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفار، يجب مجاهدتهم وقتالهم، غير أنهم ينقسمون قسمين: قسم لا يقبل منهم إلا الإسلام، والدخول فيه، أو يقتلون وتسبي ذراريهم وتؤخذ أموالهم، وهم جميع أصناف