المسلمين كان في السنة الثامنة، أو التاسعة بعد الهجرة، وآية الجزية وآية القتال موجودتان في سورة واحدة وهي سورة التوبة التي هي آخر القرآن نزولا، وإذن فلا نسخ بين الحديث وآية القتال.
واستدلوا أيضا بالاجماع المنعقد على جواز أخذ الجزية من المجوس ولم يثبت لهم كتاب، فيدل ذلك على جواز أخذ الجزية من كافة الكفار.
وأنت خبير بأن هذا الاجماع مستند إلى مثل قوله صلى الله عليه وآله (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) (1) الوارد في المجوس، وواضح أن هذا التعبير يكون كالصريح في الحاق خصوص المجوس بأهل الكتاب، وإلا كان المناسب أن يقول: (سنوا بكافة الكفار سنة أهل الكتاب).
ومستند القول الثالث أن حديث بريدة يدل بعمومه على قبول الجزية من كل كافر إلا أنه خرج منه عبدة الأوثان من العرب لتغلظ كفرهم من وجهين:
1 - ما يدينون به من عبادة الأوثان وما ينشأ عنها من الفساد.
2 - كونهم من رهط النبي صلى الله عليه وآله الذي نشأ بين أظهرهم والقرآن نزل بلغتهم، فالمعجزة في حقهم أظهر، مما يستدعي عدم اقرارهم على الجزية ومطالبتهم بالإسلام أو الحرب حتى تجعل جزيرة العرب خاصة بالمسلمين (2).
وأجيب عنه بأنا لا نجد في فتوحات الصحابة في الشام والعراق وبلاد فارس والروم أثرا للتفرقة بين العرب وغيرهم في حكم السبي والجزية.
وأما القول الرابع، فلم أجد له وجها إلا ما ذكره ابن الجهم في استثناء كفار قريش بقوله: " ذلك أنه اكرام لهم عن الذلة والصغار لمكانهم من رسول الله صلى الله عليه وآله (3).