لكونها معمولا بها قبل الإسلام وعند الأمم الأخرى أيضا، وإنما الإسلام أمضاها بصورة خاصة، فاللازم التفحص عن وجه تسميتها بهذا اللفظ عند تلك الأمم.
ومن الواضح أن وجهه لم يكن كونها جزاء على تمسكهم بالكفر وعدم التزامهم بالإسلام، ضرورة أن ذلك حدث بعد الإسلام، وإنما كانت تؤخذ من أصناف معينة بدلا عن مدافعة الجنود عنهم، بدلالة قول أنوشروان كسرى في توجيه أخذ الجزية عن بعض الطوائف:
(فأما المقاتلة فإنهم يطلبون أجورهم من أهل الخراج وسكان البلدان لمدافعتهم عنهم ومجاهدتهم من ورائهم، فحق على أهل العمارة أن يوفوهم أجورهم....) (1).
فالأقرب بل المتعين هو الوجه الأول.
تم الكلام في بيان لفظ الجزية لغة واصطلاحا وتسمية.
مجمل من تاريخ الجزية:
الإسلام ومحدثاته، بل يوجد قبل الإسلام وعند الأمم الأخرى أيضا.
وهي وإن كانت مجهولة التاريخ من حيث مؤسسها ومبدعها، إلا أنه يعلم من بعض التواريخ وجودها عند الفرس والروميين.
قال ابن الأثير: (كان ملوك الفرس يأخذون من غلات كورهم قبل ملك كسرى أنوشروان في خراجها من بعضها الثلث ومن بعضها الربع، وكذلك الخمس والسدس على قدر شربها وعمارتها، ومن الجزية شيئا معلوما، فأمر الملك قباذ بمسح الأرضين ليصح الخراج عليها، فمات قبل الفراغ من ذلك، فلما ملك أنوشروان أمر باستتام ذلك ووضع الخراج على الحنطة والشعير والكرم والرطب والنخل والزيتون والأرز على كل نوع من هذه الأنواع شيئا معلوما، ويؤخذ في السنة في ثلاثة أنجم، وهي الوضائع التي اقتدى بها عمر بن الخطاب ".