الواردة في باب العدد فهي في مقام بيان الحكم الشرعي لا ذكر المعنى اللغوي، لوقوع الخلاف بين الخاصة وبعض العامة كأبي حنيفة في المراد من القرء في آية التربص: هل هو الطهر كما عليه أصحابنا، أو الحيض كما عليه أبو حنيفة وبعض آخر منهم، فتلك الروايات واردة في بيان المراد من القرء في آية التربص، وأن القرء ليس بمعنى الحيض فيها بل هو الطهر بين الحيضتين، فلا يستفاد منها شئ من المذهبين في المقام. مع أنه على فرض تفسير القرء بما بين الحيضتين يمكن الاستدلال بها للمشهور بضميمة ما دل على أن الأقراء هي الأطهار كصحيحة زرارة في باب العدد، والظاهر من تخلل ضمير الفصل هو كون القرء والطهر واحدا، فما لم يكن قرء لا يكون طهرا، فإذا كان النقاء أقل من عشرة لا يكون قرء ولا طهرا فيكون حيضا. والانصاف أن رواية باب العدد أجنبية عما نحن بصدده.
وأما صحيحة محمد بن مسلم فحاكمة بأن القرء لا يكون أقل من عشرة أيام، وهو لغة الطهر، فلا يكون الطهر أقل منها، والجملة التالية أعني قوله " وأقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم " تفسير للسابقة، ومعناها أن الطهر إذا عقبه الدم ليس بقرء ولا طهر إلا إذا كان بينهما عشرة أيام، فدلالتها على القول المشهور ظاهرة، مع إمكان أن يقال: إن عمل المشهور على رواية يونس في تلك الفقرة التي لا إجمال فيها يكفي في جبران ضعفها سندا، والتشويش المتني ليس في هذه الفقرة، فالحق ما عليه المشهور في المسائل الثلاث، وطريق الاحتياط معلوم وهو سبيل النجاة.
المطلب الثالث (في أقسام الحائض وأحكامها) الحائض إما ذات عادة أو لا، فالأولى إما وقتية وعددية، أو وقتية فقط، أو عددية كذلك، والثانية إما مبتدئة وهي التي لم تر الدم سابقا وكان ما رأت أول دمها، وإما مضطربة وهي التي لم تستقر لها عادة وإن رأت الدم كرارا كمن رأت