والصحيح عندنا أن ذلك مباح. وأما الكراهة فهي تطلق لنهي التحريم ولنهي التنزيه ولترك الفضيلة فهو مكروه بالمعنى الثالث أي فيه ترك فضيلة كما يقال يكره للقاعد في المسجد أن يقعد فارغا لا يشتغل بذكر أو صلاة..
ويكره للحاضر في مكة مقيما بها أن لا يحج كل سنة. والمراد بهذا الكراهة ترك الأولى والفضيلة فقط.
وهذا ثابت لما بيناه في الفضيلة في الولد.. ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
" ان الرجل ليجامع أهله فيكتب له بجماعه أجر ولد ذكر قاتل في سبيل الله فقتل ".. وإنما قال ذلك لأنه لو ولد له مثل هذا الولد لكان له أجر التسبب إليه مع أن الله تعالى خالقه ومحييه ومقويه على الجهاد، والذي إليه من التسبب فقد فعله وهو الوقاع وذلك عند الامناء في الرحم.
وانما قلنا لا كراهة بمعنى التحريم والتنويه لان اثبات النهي انما يمكن بنص أو قياس على منصوص.. ولا نص ولا أصل يقاس عليه. بل ههنا أصل يقاس عليه وهو ترك النكاح أصلا أو ترك الجماع بعد النكاح أو ترك الانزال بعد الايلاج فكل ذلك ترك للأفضل وليس بارتكاب نهي. ولا فرق، إذ الولد يتكون بوقوع النطفة في الرحم ولها أربعة أسباب: النكاح ثم الوقاع ثم الصبر إلى الانزال بعد الجماع ثم الوقوف لينصب المني في الرحم.
وبعض هذه الأسباب أقرب من بعض فالامتناع عن الرابع كالامتناع عن الثالث وكذا الثالث كالثاني والثاني كالأول.
وليس هذا كالاجهاض والوأد لان ذلك جناية على موجود حاصل. وله أيضا مراتب وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية. فان صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش وان نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا.. ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حيا.
وانما قلنا مبدأ سبب الوجود من حيث وقوع المني لا من حيث الخروج من