ذلك أنه وأثناء مسير عائشة بجيشها نحو البصرة لاستنهاض أهلها ضد الإمام علي عليه السلام، مروا ببقعة ماء في الصحراء، فنادى مناد: ها قد وصلنا ماء الحوأب. فلما سمعت عائشة ذلك صاحت: ردوني، ردوني. ما أراني إلا راجعة. ثم أخبرت محمد بن طلحة ما كان من تنبؤ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتحذيره لها، فقال لها ابن طلحة: تقدمي رحمك الله، ودعي هذا القول. ثم جاءها عبد الله بن الزبير وحلف لها بالله أن هذا المكان ليس بماء الحوأب، ثم جاء لها بخمسين أعرابيا " من الذين رافقوهم أثناء سيرهم وشهدوا لها زورا " بأن هذا المكان ليس بماء الحوأب كما أمرهم ابن الزبير (1).
ومن تنبوءات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشأن الفتنة التي أحدثتها عائشة ما أخرجه البخاري في صحيحه، عن عبد الله قال: (قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا، فأشار نحو مسكن عائشة فقال: هاهنا الفتنة، ثلاثا "، من حيث يطلع قرن الشيطان) (2).
وقد اعتبر الصحابي الجليل عمار بن ياسر أن من أطاع عائشة في خروجها، كان عمله هذا مقابل طاعة الله حيث قال: (... ولكن الله تبارك وتعالى إياه تطيعون أم هي) (3).
وقيل إن الدافع الحقيقي لخروجها ضد الإمام هو كراهيتها الدفينة له منذ أن سمعته يقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما دعاه ليستشيره في فراقها بشأن ما أفتري عليها به، وقد رآه مغموما ": (يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير). وبسبب هذه الضغينة، فإنها كانت كما في إحدى الحوادث التي رواها البخاري لا تطيق أن تذكر اسم الإمام على لسانها. ولكنها ندمت على كل حال على خروجها ضده، ولا ندري إن كانت قد بايعته بعد ذلك.