وقد استطاع رئيس الأساقفة في روما أن ينال نفوذا أكبر لعدة عوامل، فروما كانت العاصمة وكان رئيس الأساقفة بها يطمع في نفوذ يعادل مكانة البلدة التي يشغل منصبه بها، كما كان هناك اعتقاد أن كنيسة روما قد أسسها Peter. St بتفويض من عيسى نفسه، ثم إن الذين تولوا هذا المنصب في العصور الأولى كانوا أقوياء ورجال سياسة مبرزين فوجهوا أنظار الناس لهم. وأخيرا كان لروما أثر واضح في الدعوة للمسيحية، وفي سنة 445 أصدر الإمبراطور قرارا يجعل رئيس أساقفة روما رئيسا عاما للكنائس المسيحية، (وبعد ذلك بعدة سنوات أخذ رئيس كنيسة القسطنطينية رياسة الكنائس الشرقية)، وكان ذلك في عهد جريجوري العظيم (Gregory the Great) رئيس أساقفة روما من سنة 440 إلى سنة 461 فأصبح هذا بمقتضى القرار السابق رئيسا للكنائس المسيحية كلها، وفي عهد هذا الرجل حدث حادث عظيم هو استيلاء هذا البابا على السلطة السياسية في روما وظل السلطان السياسي في يد البابوات اثنى عشر قرنا.
وقد تم استيلاء هذا البابا على السلطان السياسي عندما بدأت الإمبراطورية الرومانية تنشطر، فبادرت كنيسة روما فعزلت نفسها من السلطة السياسية للإمبراطورية، ثم استولت على الأمور السياسية بالإضافة إلى الروحانية، وكونت الكنيسة بذلك دولة، وكانت الكنيسة غنية قوية، فساعدها ذلك على ادعاء أن لها الحق في أن يمتد حكمها فيشمل جميع المسيحيين في كل البقاع، وأذاعت أن مكانتها أسمى من مكانة الملوك والأباطرة، وأن البابا له السيادة العليا في القضاء والإدارة، وأنه المشرع، والمفسر النهائي للكتاب المقدس، وأنه مالك مفتاح الرحمة وباب السماء، وجبت الكنيسة الضرائب، وسيطرت على القضاء، واستعملت حق الحرمان كأكبر عقوبة تنزلها بمخالفيها، واستصدرت قانونا جديدا عكف على إعداده عدد كبير من القسس،