اليهود بيلاطس فحكم عليه بالموت صلبا (1)، ونكل به الجنود الرومان ثم صلب حتى مات ودفن، وبعد ثلاثة أيام أمضاها في القبر قام في الفصح، ومكث أربعين يوما مع تلاميذه خاصة، ثم ارتفع إلى السماء أمامهم بعد أن أوصاهم بالجد في نشر دعوته باسم الأب والابن وروح القدس (2).
وهذا الموضوع الأخير وهو ارتفاع عيسى إلى السماء وتلاميذه يرونه، يدعو إلى التفكير، فالآراء المسيحية مجمعة كما سيأتي على أن عيسى تجمع فيه اللاهوت والناسوت، وأن الجانب الذي كان يرى ويأكل ويتكلم ويمشي ويتألم هو جانب الناسوت في عيسى، وإذا صح هذا الكلام فلماذا يصعد هذا الجانب أو هذا الجسم إلى الطبقات العليا؟ كان من الطبيعي أن الناسوت انتهت مهمته فحق عليه الفناء بالصلب كما يفنى كل الناس، وأن الذي يعود إلى العليين هو جانب اللاهوت في عيسى وهو جانب لا يرى وليست به صفات البشر.
* * * والذي رسم للمسيح هذه الصورة هو بولس الذي سنتكلم عنه فيما بعد، وهي صورة قلبت الفكر الذي ينسب للمسيح، وبين أيدينا كتاب هام ألفه رائد مسيحي وقس متبحر، ولكنه يصدق القول عندما يقول إن المسيح الذي نتكلم عنه الآن هو (مسيح بولس) وفيما يلي عبارة هذا المؤلف:
لقد ترك لنا بولس الرسول عن المسيح رسما واضح القسمات وإن اختلف ظاهرا عن رسم مسيح الأناجيل، فمسيح بولس هو مسيح الإيمان أكثر منه مسيح التاريخ، ولا عجب فبولس الفيلسوف واللاهوتي لم ير