إرهاق الجسم وعدم العناية بطعامه أو شرابه أو لباسه، ووليدة الميل للعزوبة والغض من الزواج، فإذا تجمعت للمسيحي هذه الأخلاق واستساغها وجد أن من الأفضل له أن يعتزل حياة الناس، فيعتزلهم ويترهب ثم بعد ذلك يحاول أن يقتل ما بقي فيه من قوى مادية بالصوم والحرمان والإفراط من العبادة، وقد عرفت المسيحية جيوشا من الرهبان من الذكور والإناث اعتزلوا العالم وسكنوا الأديرة وعدوا أنفسهم بذلك أقرب إلى الله من جميع عباده.
ومسيحية (العهد الجديد) تصور الإيمان بأنه يفعل الأعاجيب وينقل الجبال، فإذا لم تفعل الأعاجيب وتنقل الجبال فليس ذلك إلا لقلة الإيمان، ويروي متي أن المسيح وهو في طريقه مرة إلى أورشليم جاع، فنظر شجرة تين على الطريق وجاء إليها فلم فيها شيئا إلا ورقا فقط، فقال لها: لا يكن منك ثمر بعد إلى الأبد. فيبست التينة في الحال، فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين: كيف يبست التينة في الحال؟ فأجاب يسوع وقال لهم: الحق أقول لكم إن كان لكم إيمان ولا تشكون فلا تفعلون أمر التينة فقط، بل إذا قلتم أيضا لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون، وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه (1).
ويروي متي أيضا عن عيسى وأتباعه ما يلي: ولما جاءوا إلى الجمع تقدم إليه رجل جاثيا له وقال: يا سيد ارحم ابني فإنه يصرع ويتألم شديدا ويقع كثيرا في النار وكثيرا في الماء، وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع وقال: أيها الجيل غير المؤمن الملتوي، إلى متى أكون معكم؟ إلى متى أحتملكم؟ قدموه إلي ههنا. فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان فشفي الغلام في تلك الساعة. ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا: لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟ فقال لهم يسوع: لعدم إيمانكم،