أخرج سيفه وحاول أن يدافع عن المسيح (فقال له يسوع: رد سيفك إلى مكانه كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون) (1).
ويرى النقاد حقيقة يدركها كل من يطالع الأناجيل، تلك الحقيقة أن هذه الأناجيل تخلو خلوا تاما من أية أثارة من علم أو إصلاح أو مدنية، وحسبك أن تقرأ الأناجيل وأن تعيد قراءتها، فلن تجد فيها ما يبني مجتمعا أو يحث على علم أو يقود إلى إصلاح أو مدنية. قد يقال إن الغرب المسيحي نهض وحقق في سبيل التقدم والمدنية خطوات واسعة، هذا صحيح، ولكن ربط التقدم بالمسيحية شئ لم يقل به أحد قط (فمدنية الغرب مدنية مادية مبنية على حب المال والسلطة والتغلب والعزة والكبرياء والعظمة والتمتع بالشهوات، والتعاليم المسيحية تناقض هذا كله بإفراط بعيد، وما وصل الأوربيون إلى ما وصلوا إليه إلا بعد أن نبذوا التعاليم المسيحية ظهريا، ولو أن هذه المدنية من أثر التعليم المسيحي لنشأت عنه بقرب نشأته، ولكنها لم تظهر إلا بعد بضعة قرون من ظهوره) (2).
ويرتبط بهذا المبدأ ما عرف عن المسيحية من أنها تحارب الفكر وتقرر قاعدة هامة هي: (الجهالة أم التقوى) فمنعت الكنيسة - إبان نفوذها - أن ينشر التعاليم بين العامة إلا ما كان دعوة إلى الصلاح وتقرير الإيمان على وجه ظاهر، وبقي غير القسيسين في جهالة حتى بأمور الدين وحقائقه وأسراره. وقد رأينا من قبل أحكام الكنيسة ضد كثير من المفكرين بالتجريد والحرمان والنفي، وقد عارضت الكنيسة القول بكروية الأرض، وعارضت رحلة كريستوف كولمب للكشف عن الدنيا الجديدة، وعارضت الحقن تحت الجلد، وعارضت تخدير المرأة لتسهيل ولادتها.... وكل ذلك وسواه لسبب واحد هو أن هذه الأشياء لم ترد في الكتاب المقدس وليس لأحد أن يقترح شيئا لم