والقديس يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) والرسول بولس وجميع إخوانه الحواريين الذين سجلت أسماؤهم في سفر الخلود، آثروا التبتل وحثوا الناس عليه، وقد استطاعت مريم البتول أخت موسى أن تعبر البحر هي وجميع من كن يسرن خلفها من النساء، فانشق لهن فيه طريق يبس وانتهين إلى الساحل الآخر سالمات، والقديسة البتول تكلا قد ألقى بها الكفار إلى الأسد الجائعة فوجمت الأسد أمامها وخرت جاثية تحت قدميها، وقد فتح السيد المسيح للخصيان أبواب السماء، لأن حالتهم قد باعدت بينهم وبين قربان النساء، ولو أن آدم لم يعص ربه لعاش طاهرا حصورا ولتكاثر النوع الإنساني بطرق أخرى غير هذه الطرق البهيمية، ولعمرت الجنة بفصيلة من الطاهرين الخالدين.
وينظر كثير من فقهاء الكنيسة المسيحية إلى هذه الحقائق على أنها من الأمور المسلمة في الدين بالضرورة، أي التي لا يجوز إنكارها ولا الشك فيها، حتى أن مجمع مديولاننس Mediolanense المسيحي قد حكم في أواخر الفرق الرابع الميلادي على الراهب جوفينيان بالطرد من الكنيسة لأنه عارض المبدأ المسيحي الذي يقرر أن التبتل خير من الزواج، وينظر هؤلاء الفقهاء كذلك إلى الزواج على أنه مجرد ضرورة لبقاء النوع الإنساني ولصيانة الفرد من الفاحشة، ومن ثم لا ينبغي في نظرهم للمسيحي أن يطلق لنفسه العنان في إشباع شهواته بل ينبغي أن يفيد من ذلك بقصد واعتدال، وفي الحدود التي تحقق الذرية والنسل، فيكون شأنه شأن الزارع الذي إذا بذر البذرة انتظر الحصاد بدون أن يلقي في الأرض بذورا أخرى.
وقد ذهبت فرقة المارسيونيين Marsionies وهي فرقة مسيحية اعتنقت مذهب مارسيون (القرن الثاني الميلادي) إلى ما هو أبعد من ذلك فحرمت الزواج تحريما باتا على جميع أفراد نحلتها كما فعلت فرقة الحسديين من اليهود،