وظاهر الأمر أن فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) وأم سلمة وباقي نساء النبي (صلى الله عليه وآله) عدا عائشة وحفصة، قد كن ضمن الطائفة الأولى التي وافقت النبي (صلى الله عليه وآله) في طلبه كتابة الوصية. فقد قالت النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قال عمر: فقلت: إنكن صواحب يوسف إذا مرض عصرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن عنقه.
قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): دعوهن فإنهن خير منكم (1).
وهكذا انتهى حديث يوم الخميس بإخراج النبي (صلى الله عليه وآله) لجماعة حسبنا كتاب الله، ووصف رسول الله (صلى الله عليه وآله) نساءه بأنهن أفضل منهم.
فهل يعقل أن يوصي النبي (صلى الله عليه وآله) لهؤلاء الذين وصموه بالهجر؟ وبعد ذلك الاختلاف والطرد والإهانة! إذن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يوص في يوم الخميس بإخراج المشركين من جزيرة العرب. أما رواية عمر بوجود رغبة نبوية في إخراج المشركين من جزيرة العرب فجاءت كالآتي:
حدثني زهير بن حرب. حدثنا الضحاك بن مخلد عن ابن جريج. وحدثني محمد بن رافع (واللفظ له) حدثنا عبد الرزاق. أخبرنا ابن جريج. أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخبرني عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: " لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما " (2). وإذا حققنا في علاقة النبي (صلى الله عليه وآله) مع اليهود واتفاقاته معهم لا نجد ما يدلل على رغبة نبوية بإخراجهم من جزيرة العرب. فالنبي (صلى الله عليه وآله) الكريم لم يخرج يهود المدينة منها، بل عقد اتفاقات صلح معهم وعاش معهم بسلام، كأصحاب ديانة سماوية. فكان يهود بني قينقاع وبني قريظة في حياة آمنة في المدينة، ولم يخرجهم منها إلا بعد إخلالهم بشروط الاتفاق، وحملهم السلاح ضد النبي (صلى الله عليه وآله)