فقال: لو قدمت إلي طعام الضيف أكلته، ولكنه قدمت إلي طعاما هو تقدمة شر، والله لا أشرب عندك ماء، فاكتب لي كل شئ هو لك ولا تكفه، فشاطره ماله بأجمعه، حتى بقيت نعلاه فأخذ إحداهما وترك الأخرى، فغضب عمرو بن العاص فقال: يا محمد بن سلمة قبح الله زمانا عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب فيه عامل، والله إني لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب، وعلى ابنه مثلها، وما منهما إلا في نمرة لا تبلغ رسغيه، والله ما كان العاصي بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزررا بالذهب.
قال له محمد: أسكت والله عمر خير منك وأما أبوك وأبوه ففي النار، والله لولا الزمان الذي سبقته فيه لألفيت معقل شاة يسرك غزرها ويسرك بكرها.
فقال عمرو: هي عندك بأمانة الله، فلم يخبر بها عمر. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رأى رجلا يضرب في كلامه (يخلط) قال: أشهد أن الذي خلقك وخلق عمرو بن العاص واحد (1). والظاهر أن عمر قد كان معجبا بكلام عمرو بن العاص وتوجهاته، والنص السابق شاهد على ذلك، مثلما كان معجبا بمعاوية فوصفه بكسرى العرب. والملاحظ من سيرة عمر أنها مليئة بالمكائد والحيل فقد أرسله أهل قريش إلى الحبشة لإرجاع المسلمين لقتلهم والانتقام منهم. وفي سفره إلى الحبشة مع عمارة بن الوليد بن المغيرة نراه قد أقدم على قتل رفيق سفرة بمكيدة شيطانية (2). وبعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) حاول ابن العاص الحصول على منصب عال في الدولة، فأعلن عن انضمامه إلى حزب قريش المعادي لأهل البيت (عليهم السلام) والأنصار.
وعلى الأثر ولاه عمر فلسطين ثم ولاه على جيوش مصر. ولما عزله عثمان