أما لماذا تقلص مفهوم العبادة الإسلامي في أذهان المسلمين إلى المعنى العرفي الضيق فمرد ذلك بشكل أساسي إلى فترة الانحطاط الفكري العام الذي أصاب المسلمين فقلص العديد من مفاهيم الإسلام في أذهانهم وحلت محلها مفاهيم ضيقة جامدة أو مفاهيم متخلفة حتى غزتنا المفاهيم الغربية المعادية للإسلام وبذل أعداؤنا المستعمرون المتسلطون وعملاؤهم من حكام الأمة جهودا متواصلة في تحريف وتشويه وإقصاء مفاهيم الإسلام، وتربية أبناء الأمة عليها بمناهجهم التربوية المسمومة ووسائل إعلامهم المختلفة.
وقد وجد أعداء الإسلام في شبهة المعنى العرفي للعبادة مدخلا لإبعاد الإسلام والمسلمين عن مقاومة سيطرتهم فقالوا: ما دام الإسلام دعوة إلى عبادة الله، وعبادة الله هي القيام بالعبادات الإسلامية. فما عليكم أيها المسلمون إلا أن تعبدوا ربكم بكل حريتكم فتصوموا وتحجوا وتصلوا وتقرأوا القرآن ما بدا لكم وتعيشوا مع الله في جو روحي وديع وتكفوا إسلامكم عن حركة الحياة في المصنع والمتجر والحقل والموقف معنا، فإن ذلك لا يتصل بدعوة عبادة الله التي هي دعوة دينكم.
كم يحلو لأعداء ديننا وأمتنا أن نتنازل عن مفهوم التعبد الإسلامي الذي يعني التعبد لله بإقامة حياة الأمة كلا على أساس هداه وتشريعه. ونحجر مفهوم التعبد في جوانب معينة معزولة عن الحياة.
يتناسى هؤلاء أن الله تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وآله.
(إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق. لتحكم بين الناس) ولم يقل له: إنا أنزلنا إليك الكتاب لتهرب أنت ومن اتبعك من واقع الحياة وتعيشوا في جو روحي حالم، وبذلك تعبدون الله.
فلو كانت دعوة الرسول صلى الله عليه وآله إلى عبادة الله عز وجل تعني ما يريده لنا هؤلاء المستعمرون. إذ لاتخذ الرسول سبيله بمن تبعه في أرض من أرض الله وقضوا حياتهم في (عبادة الله) وما تجشموا بأمر الله هذه الجهود والحروب والمجابهات.
إن عبادة الله في مفهوم الإسلام إنما هي مع الصلاة والصيام وبالصلاة