عدمه بوجود العالم.
وأما الفرق بين قول: " لا يكون إلا بما شاء الله... " إلى آخره الذي قاله يونس، وبين قول: " لا يكون إلا ما شاء الله... " إلى آخره، الذي قاله الإمام (عليه السلام) - تصحيحا لقول يونس - فهو أن كلام يونس ظاهر في أن مشية الله سبحانه مثل مشيتنا، لمكان " بما " فإن مشيتنا تحدث فينا لاستحصال الغاية التي نستكمل بها، فإنا - مثلا - نشرب الماء لاستحصال الريانة التي هي الغاية، فلا يكون الشرب إلا بما شئناه من الريانة فالريانة هي العلة الفاعلية للشرب، وهكذا تتحقق وتكون أفاعيلنا. وأما حضرة الواجب تعالى منزه عن الغاية، فلا يكون إلا ما شاء، فليس فعله تبارك وتعالى معللا بالغاية.
فلنكف بهذا المقدار من البيان في تفسير الحديث الشريف، وتفصيل معاني المشية والإرادة والتقدير والقضاء يطلب مجالا واسعا، لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
ثالثها: هو القول بالأمر بين الأمرين والمنزلة بين المنزلتين، وقد مر تقريره بالنظر الجليل والنظر الدقيق، ففي عدة من الأخبار نفي الجبر والقدر وإثبات منزلة ثالثة أوسع مما بين السماء والأرض، أو نفي الجبر والتفويض وإثبات أمر بين أمرين.
وقائل هذا القول على الحنفية الإسلامية، وله عينان مبصرتان، فبالنظر الجليل يشاهد أن الأشياء في قبول الوجود من واهب الجود متفاوتة، فبعضها لا يقبل الوجود إلا بعد وجود الآخر كالعرض الذي لا يقبل الوجود إلا بعد وجود الجوهر، فبعضها ينصبغ بالوجود بلا وسط وبعضها مع وسط أو أوساط، وليس ذلك لنقصان في الفاعل، بل لنقصان استعداد القابل، وفي النهاية ينتهي الكل إلى واجب الوجود تعالى.
فإذن: لا تمانع بين استناد الفعل إلى الواجب المتعالي وبين استناده إلى الفاعل الذي هو موضوعه، مثل الإنسان - مثلا - فإن الفاعلية طولية لا عرضية.
وأما بالنظر الدقيق فيشاهد الحق مع الخلق معية قيومية، كما أفصح عنه معلم التوحيد الخاص الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: " وجوده إثباته، ومعرفته توحيده،