حديث الطلب والإرادة - محمد المحمدي الجيلاني - الصفحة ٦٧
ولعله إليه أشار في قوله، وهو الحق: * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) * (1) حيث أثبت الرمي من حيث نفاه فقال: * (وما رميت إذ رميت) *، فإن الرمي كونه منه لم يكن بقوته واستقلاله بل بقوة الله وحوله، وقوله:
* (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) * (2) فأثبت المشية لله من حيث كونها لهم، لا بأن يكون المؤثر مشيتين أو فعلين بالاشتراك، بل بما أن مشية الممكن ظهور مشيته تعالى وعين الربط والتعلق بها [24].
فالعالم وما سوى الله - عز وجل - بالنسبة إليه كالظل إلى الشخص، فكما أن الظل لا وجود له إلا بالشخص ولا أثر له إلا بالشخص، كذلك العالم لا وجود له ولا آثار له إلا بالله، وهو قائم على كل نفس بما كسبت، وهو نور السماوات والأرض.
وكما أن الظل تابع ولازم للشخص وربط صرف به، كذلك العالم تبع وربط صرف بالله سبحانه، لأنه صور أسمائه ومظهر صفاته العليا. فالظل موجود في الحس بلا ارتياب.
ولكن إذا كان هناك من يظهر فيه ذاك الظل، وكذلك الظل الإلهي المعبر عنه بالعالم محل ظهوره هو الماهيات وأعيان الممكنات التي امتد عليها هذا الظل، فإذن آثار الظل كما أنها آثاره في تعينها آثار لذي الظل. فكذلك الآثار والأفعال المترتبة على أي ممكن، كما أنها آثاره وأفعاله فهي بعينها آثار وأفعال له تعالى على ما هو مقتضى البرهان، ويعرفه من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
[24] يكاد أن يقول وارث سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الطريق الدقيق في بيان المذهب الحق هو ما يهدينا إليه القرآن الحكيم من أقوم الطرق إلى التوحيد الخالص والنظر إلى الحق في الخلق، فإنه قد جمع بين نفي الرمي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وإثباته له من جهة واحدة، فقفاه بإثبات هذا الرمي المتعين لله تعالى مع كونه فعل العبد الذي هو موضوع هذا

1 - الأنفال (8): 17.
2 - الإنسان (76): 30 والتكوير (81): 29.
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 3
2 المقدمة 9
3 في وصف المتكلم 14
4 فساد قول المعتزلة 17
5 شك ودفع: في وحدة إرادة الله وعلمه 21
6 تنبيه عرشي 23
7 فساد قول الأشاعرة 25
8 المطلب الأول ما هو المهم مما استدل به الأشعري على مطلوبه الأمر الأول: ثبوت الطلب نفسي في الأوامر الامتحانية 27
9 الأمر الثاني: حول تكليف الكفار 41
10 إيقاظ 44
11 الفصل الأول: في عنوان المسألة 47
12 الفصل الثاني: في إبطال المذهبين 53
13 الفصل الثالث: في بيان المذهب الحق 65
14 تنبيه: في شرك التفويضي وكفر الجبري 70
15 إرشاد: في استناد الأفعال إلى الله 78
16 تمثيل 82
17 تمثيل أقرب 82
18 تأييدات نقلية 83
19 الآيات 83
20 الروايات 86
21 الفصل الرابع: في ذكر بعض الشبهات الموردة ودفعها 96
22 حول إرادية الإرادة 96
23 تحقيق يندفع به الإشكال 101
24 تنبيه 106
25 حول قاعدة: الشئ ما لم يجب لم يوجد 107
26 حول علم الله تعالى واختيار الإنسان 117
27 المطلب الثاني في بيان حقيقة السعادة والشقاوة الأمر الأول: حول قاعدة " الذاتي لا يعلل " 124
28 الأمر الثاني: في فقر وجود الممكنات وعوارضه ولوازمه 129
29 الأمر الثالث: استناد الكمالات إلى الوجود 132
30 الأمر الرابع: في معنى السعادة والشقاوة 132
31 التحقيق: كون السعادة والشقاوة كسبيتين 134
32 المطلب الثالث في شمة من اختلاف خلق الطينات منشأ اختلاف النفوس 142
33 تنبيه حول مفاد بعض الأحاديث 159
34 خاتمة حول فطرة العشق إلى الكمال والتنفر عن النقص 162