ولعله إليه أشار في قوله، وهو الحق: * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) * (1) حيث أثبت الرمي من حيث نفاه فقال: * (وما رميت إذ رميت) *، فإن الرمي كونه منه لم يكن بقوته واستقلاله بل بقوة الله وحوله، وقوله:
* (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) * (2) فأثبت المشية لله من حيث كونها لهم، لا بأن يكون المؤثر مشيتين أو فعلين بالاشتراك، بل بما أن مشية الممكن ظهور مشيته تعالى وعين الربط والتعلق بها [24].
فالعالم وما سوى الله - عز وجل - بالنسبة إليه كالظل إلى الشخص، فكما أن الظل لا وجود له إلا بالشخص ولا أثر له إلا بالشخص، كذلك العالم لا وجود له ولا آثار له إلا بالله، وهو قائم على كل نفس بما كسبت، وهو نور السماوات والأرض.
وكما أن الظل تابع ولازم للشخص وربط صرف به، كذلك العالم تبع وربط صرف بالله سبحانه، لأنه صور أسمائه ومظهر صفاته العليا. فالظل موجود في الحس بلا ارتياب.
ولكن إذا كان هناك من يظهر فيه ذاك الظل، وكذلك الظل الإلهي المعبر عنه بالعالم محل ظهوره هو الماهيات وأعيان الممكنات التي امتد عليها هذا الظل، فإذن آثار الظل كما أنها آثاره في تعينها آثار لذي الظل. فكذلك الآثار والأفعال المترتبة على أي ممكن، كما أنها آثاره وأفعاله فهي بعينها آثار وأفعال له تعالى على ما هو مقتضى البرهان، ويعرفه من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
[24] يكاد أن يقول وارث سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الطريق الدقيق في بيان المذهب الحق هو ما يهدينا إليه القرآن الحكيم من أقوم الطرق إلى التوحيد الخالص والنظر إلى الحق في الخلق، فإنه قد جمع بين نفي الرمي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وإثباته له من جهة واحدة، فقفاه بإثبات هذا الرمي المتعين لله تعالى مع كونه فعل العبد الذي هو موضوع هذا