نعم، يجوز ذلك على رأي الأشعري القائل بالاختيار الجزافي والترجيح بلا مرجح المستبين الاستحالة في محله، فإن على مذهب الأشعري إذا جاز وجود شئ واحد بلا إيجاب في الواحد الحقيقي فلم لا يجوز صدور أكثر منه؟! فإذا كانت الخصوصية المسانخة بين المعلول والعلة جزافية فلا يستدعي صدور المعلول عن الواحد الحقيقي مسانخة، وجاز أن يكون كل شئ علة لكل شئ، وكل شئ معلولا لكل شئ!
وعلى ذلك يحمل قول " الشوارق ": وجوازه متفق عليه حيث كان الفاعل مختارا، فإنه على مبنى الأشعري من إنكار قاعدة " أن الشئ ما لم يجب لم يوجد " ليسهل بنا صدور الكثير عن الواحد الحقيقي، بل يصح دعوى الاتفاق. ولكنك عرفت: أن هذا المبنى والبناء كلاهما على شفا جرف هار.
وأساس أمثال هذه الاشتباهات - كما قال الأستاذ الإمام (قدس سره) - هو قياس أوصافه وأفعاله تعالى على أوصافنا وأفعالنا. وما أحسن ما قال مولانا الباقر (عليه السلام): " هل سمي عالما وقادرا إلا أنه وهب العلم للعلماء والقدرة للقادرين؟ وكل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم، والبارئ تعالى واهب الحياة ومقدر الموت. ولعل النمل الصغار تتوهم أن لله تعالى زبانيين، فإنهما كمالها، وتتصور أن عدمهما نقصان لمن لا تكونان له، هكذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به فيما أحسب، وإلى الله المفزع " (القبسات، الطبع الجديد، ص 343، علم اليقين، الطبع القديم، ص 18).
نعم، اختلاق المعبود وصنع الآلهة هي سجية الإنسان من قديم الأزمان، فكانوا ينحتون ما يعبدون غالبا على أشكالهم حسب مزعمتهم أن آلهتهم شبيهون بهم حتى في العيون والأشجار، فلو أن البهائم كان في استطاعتها الترسيم والتجسيم