ومنها: أن صدور الكثير بلا وسط عن الواحد البسيط من جميع الجهات مستلزم للتركيب والتكثير فيه تعالى، وهو خلف. وما قيل: إن ذلك مستحيل في غير الفاعل المختار وأما هو فله أن يفعل باختياره كل ما أراد (1)، فليس بشئ، لأن الاختيار والإرادة عين الذات البسيطة وما صدر عنها صدر عنها، وتحقق الكثرة والتجدد في الإرادة عين تحققهما في الذات، وقياس إرادته تعالى وفعله الإرادي وكذا صدور الفعل عنه تعالى على إرادتنا وفعلنا الإرادي وصدوره عنا قياس مع الفارق، ومنشأ غالب الاشتباهات هذا القياس الباطل، فأين الإنسان الناقص الكثير المتكثر المتغير المتصرم ذاتا وصفاتا، ورب الأرباب البسيط الذات والصفات!؟ وما قد يتوهم من أنه يلزم من ذلك قصور في قدرته ومغلولية يده (2) فاسد سيأتي ما يدفعه [21].
فالعينية القصرية ثابتة من جانب الصفات الكمالية، فهي قاصرة في الذات المتعالية وليست بحاصرة لها، فافهم.
ثانيهما: أن لازم بساطة الذات وعينية الصفات معها أن يكون مصدر الفعل هو حاق ذاته وتمام هويته، وأنه بذاته البسيطة علة لصدور الفعل، والمعلول هو الوجود البسيط الذي عين التعلق والربط به تعالى، فلا جهة كثرة فيه، فإن من الواجب سنخية ذاتية بين المعلول وعلته، وهي المخصصة لصدور هذا المعلول منها دون غيرها، وإلا جاز أن يكون كل شئ علة لكل شئ، وكل شئ معلولا لكل شئ.
فالمعلول للصرف البسيط يمتنع أن يكون مركبا وكثيرا أو متغيرا متصرما، لاستلزامه التركب والقوة المشفوعة بالصورة الجسمية. وهذا هو المعنى بانقلاب البسيط مركبا. والفعلية الصرفة قوة، والوجوب بالذات ممكنا، وحدوث القديم أو قدم الحادث بالذات وثبات المتغير بالذات بحكم المسانخة.
[21] قد عرفت قبيل ذلك: أن صدور الكثير بالمباشرة عن الواحد البسيط من