يفيض الوجود عليها على ترتيب ونظام، فبعضها صادر عنه بلا سبب وسط، وبعضها بوسط واحد أو أكثر. وليس ذلك لنقصان في المبدأ الفاعل، بل النقصان في القابل.
ومن المعلوم: أن ما سوى الواجب بالذات يحتاج في تلبسه بالوجود إلى الواجب القيوم بالذات، فما سواه تعالى من الذوات والصفات والأفعال ممكن محتاج إلى الواجب، معلول له بلا واسطة أو مع الواسطة - حتى الأفعال الاختيارية - فلا تدافع بين انتساب قوى العبد إلى الواجب سبحانه وبين انتسابه إلى العبد، لأن الفاعلية طولية لا عرضية، فهذا هو الأمر بين الأمرين، فإنه متوسط بين الجبر والتفويض، وخير الأمور أوسطها.
وأما الطريق الدقيق في بيان المذهب الحق فهو الذي سلكه الإمام الراحل (قدس سره)، وهو مسلك الراسخين في العلم والتوحيد الخاص، فإنه - رضوان الله عليه - بعد إبطال مسلكي الجبر والتفويض وبيان استحالتهما بالبراهين القاطعة صرح باتضاح سبيل الأمر بين الأمرين والمنزلة بين المنزلتين، وهو كون الموجودات الإمكانية مؤثرات لكنه لا بالاستقلال، وأن فيها الفاعلية والعلية والتأثير لكن من غير استقلال واستبداد، وليس في دار التحقق فاعل مستقل سوى الله تعالى... - إلى أن قال (قدس سره) - فمن عرف حقيقة كون الممكن ربطا... إلى آخره.
يريد (قدس سره): أن كل ما يقال عليه سوى الله أو العالم فهو بالنسبة إلى الله تعالى لا نفسية له، لأنه ربط محض، فلا يكون طرفا للحاظ بالنسبة إلى الحقيقة الصرفة، فإن الصرف بما هو صرف لا يقبل الحد، والطرف الملحوظ معه يستلزم المحدودية.
فإذن: كما ليس في الوجود شأن إلا وهو شأنه كذلك ليس في الوجود فعل إلا وهو فعله، فالصرف لا يتثنى إذ فرض الثاني له فرض محال، فهو مع كل شئ لا بمقارنة، وغير كل شئ لا بمزايلة.