ومنها: أن حقيقة الوجود ذاتها عين منشأية الآثار، ولا يمكن سلب الأثر مطلقا عن ذاته، لمساوقته لسلب ذاته، فلا يمكن أن يكون موجود مسلوبا عنه الآثار، بل سلب الأثر عن وجود مستلزم لسلبه عن كافة الوجودات - حتى وجود الواجب - لبساطة حقيقة الوجود واشتراكه المعنوي، فتدبر جيدا [22].
لرسمت آلهتها المنحوتة في أذهانها على صورها البهيمية، كما رأيت تمثيل الإمام المعصوم (عليه السلام) بالنمل الصغار ومزعمتها أن لربها زبانيين على شكلها.
وهذا هو القياس الباطل الذي أشار إليه الإمام الراحل - رضوان الله عليه - وهو القياس بالنفس واختلاق المعبودات أصناما كانت أو أوهاما على أشكالهم، * (إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا) * (العنكبوت: 17).
وبالجملة: فمن قاس الله سبحانه بنفسه واتخذ ما جعله في نفسه إلها فإلهه مجعول نفسه، فهؤلاء ما رأوا الله إلا أنفسهم وما نحتوا فيها من صور لله تعالى. فالإله المجعول المتوهم - ولو في أدق معاني الوهم - مخلوق مصنوع مثلهم. ولا فرق بين تلك الأوهام المنحوتة في الأذهان وبين هذه الأصنام المصنوعة في الأعيان.
وفي الخبر: " أنه إذا تجلى لهم الحق يوم القيامة أنكروه وتعوذوا منه وأساؤا الأدب عليه في نفس الأمر " هكذا كان الخبر في ذكرى نقلته بالمعنى لا باللفظ، وللكلام تتمة.
[22] اعلم: أن حقيقة الوجود البسيطة الصرفة التي حيثيتها حيثية منشأ الآثار مستهلك فيها كل مناشئ الآثار، وبها تتحقق كل حقيقة، فهي نور السماوات والأرض، وهي حقيقة " هو " الذي حمل عليه الأسماء الإلهية في أواخر سورة الحشر: * (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس...) * إلى آخر الآية.