وقد تقدم (1) فساد كون الإرادة من صفات الفعل لا الذات، فما صدر عنه تعالى لا يمكن أن يصدر من إرادته لا من ذاته، أو من ذاته دون إرادته فإنها عين ذاته، فإذن صدور المتغير والمتصرم عنه تعالى مستلزم لحدوث القديم أو قدم الحادث بالذات وثبات المتغير بالذات [20].
[20] يشير (قدس سره) في هذا الوجه إلى أمرين مما يترتب على بساطة الذات المتعالية:
أحدهما: عينية صفاته الذاتية مع ذاته المقدسة، وبيانه: أنه لما ثبت أن الواجب تعالى بسيط ووجود صرف فلا بد وأن يرجع جميع صفاته إلى الوجود الصرف، وإلا لم يكن بسيطا صرفا. ومعنى رجوع الصفات إلى الوجود الصرف البسيط المعبر عنه بعينية الصفات مع الذات المتعالية أن الوجود الصرف الواجب كما ينتزع عنه الموجودية بذاته كذلك ينتزع عنه بذاته كل صفة كمالية حيثيتها حيثية الوجود، مثل العلم والقدرة ونحوهما.
لكن يجب أن يعلم: أن المراد بهذه العينية هو وجوب قصر تلك الصفات الكمالية على الذات المتعالية. وأما قصر الذات عليها فغير جائز، لاستلزامه تحديد الذات، وذلك لأن من البين وقوع التدافع والتمانع بين المفاهيم. فكل مفهوم كما يدفع غيره عن مصبه ومحدودته كذلك يقصر عن شمول ما وراءه، فوقوع مفاهيم الصفات على المصداق الغير المحدود لا يخلو عن تحديد ما له بالضرورة.
فالذات المتعالية يمتنع أن تنال بصفة من الصفات أو بجميعها. فالصفات الكمالية لها نحو تأخر عن الذات المقدسة. وهذا التأخر لا ينافي العينية، كما عرفت أن المراد بها هو وجوب قصر تلك الصفات على الذات، وأما قصر الذات عليها فلا.
فحديث العينية يؤول معناه إلى قيام وجود الصفات بوجود الواجب تعالى، لأن قضيته قصرها على الذات وامتناع حصرها الذات ليست إلا القيام المذكور.