أوضحت من أمرنا ما كان ملتبسا * جزاك ربك بالإحسان إحسانا (أصول الكافي 1، 156).
دلالة الخبر على كون السائل يزعم أن تعلق القضاء بالحوادث - ومن جملتها أفعال الإنسان - يوجب ارتفاع الإرادة واختياره عنها، واضحة، فلذلك أطلق أمير المؤمنين (عليه السلام) على هذه المزعمة الجبرية عناوين، منها القدرية فقال (عليه السلام): " تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان وخصماء الرحمان وحزب الشيطان وقدرية هذه الأمة ومجوسها ".
ثم أرشد السائل إلى ما هو الحق بتبيين أن قضاء الله تعالى وسبق علمه لا يوجب علينا الحتم والإكراه والاضطرار ولا ينافي الاختيار، بل أمره تعالى وتكليفه على تخيير من العبد في الفعل والترك ومثله نهيه سبحانه وتعالى، فكأنه بوجه إعلام منه، كأنه قيل: من ائتمر أو انتهى فله ثواب كذا، ومن تمرد وخالف فله عقاب كذا، انتهى. هذا إطلاق القدرية على الجبري.
وأما إطلاقها على المفوضة: ففي خبر يونس بن عبد الرحمان عن الرضا - عليه آلاف التحية والثناء - قال: قال لي أبو الحسن الرضا (عليه السلام): " يا يونس! لا تقل بقول القدرية فإن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة، ولا بقول أهل النار، ولا بقول إبليس فإن أهل الجنة قالوا: * (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) *، وقال أهل النار:
* (ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين) *، وقال إبليس: * (رب بما أغويتني) * ".
فقلت: والله ما أقول بقولهم، ولكني أقول: لا يكون إلا بما شاء الله وأراد وقدر وقضى.
فقال: " يا يونس! ليس هكذا، لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى، يا يونس!
تعلم ما المشية؟ " قلت: لا.