فتقول: قط، قط، قط، فهنالك تملأ وتنزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحدا، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها ما شاء.
أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن طاووس عن أبيه قال: سمعت رجلا يحدث ابن عباس بحديث أبي هريرة هذا، فقام رجل فانتقض، فقال ابن عباس: ما فرق من هؤلاء يجدون عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه). انتهى ما في مصنف عبد الرزاق بلفظه. ولكن عبارة إمام الوهابية هي (عن ابن عباس أنه رأى رجلا انتفض حين سمع حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات استنكارا لذلك فقال) وقصده بالصفات أن الرجل المستمع لم يؤمن بأن الله تعالى له رجل ويضعها في النار واستنكر ذلك فوبخه ابن عباس! فمن أين له العلم بذلك، فقد يكون الرجل صحابيا جليلا استنكر على راوي الحديث هذا التجسيم، وقام من المجلس اعتراضا.
ثم إن قول ابن عباس مجمل لا يدل على أنه قصد بالهلاك ذلك الرجل الذي انتفض أو تأفف ونكت ثيابه تبرأ! فقد يكون قصد بعض رواة الحديث.
وهل يستحق صحابي أو تابعي الحكم بالهلاك والكفر لأنه نهض ونكت ثيابه حتى لا يتحمل مسؤولية حديث يراه كاذبا أو يشك فيه؟!
ثم إن عبارة ابن عباس التي في مصنف عبد الرزاق فيها كلمة (من) وليس فيها كلمة (رقة) التي نقلها إمام الوهابيين، ولو قلنا إن أصلها (يجدون رقة) لم يستقم المعنى أيضا، لأن مقتضى مقابلتها بقوله (ويهلكون عند متشابهه) أن يقول (يرقون عند محكمه) لا أن يقول (يجدون رقة عند محكمه).
كما أنه لا معنى مفهوما لقوله (ما فرق من هؤلاء).. إلخ. فإن في كلام ابن عباس تصحيفا وإبهاما.