العارف معنى حقيقيا يفهمه منه ليس ذلك ظنيا في حقه. مثاله رواية الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له، وهل من مستغفر فأغفر له.. الحديث، فهذا الحديث سيق لنهاية الترغيب في قيام الليل وله تأثير عظيم في تحريك الدواعي للتهجد الذي هو أفضل العبادات، فلو ترك هذا الحديث لبطلت هذه الفائدة العظيمة ولا سبيل إلى إهمالها، وليس فيه إلا إيهام لفظ النزول عند الصبي والعامي الجاري مجرى الصبي، وما أهون على البصير أن يغرس في قلب العامي التنزيه والتقديس عن صورة النزول بأن يقول له: إن كان نزوله إلى السماء الدنيا ليسمعنا نداءه وقوله فما أسمعنا، فأي فائدة في نزوله؟ ولقد كان يمكنه أن ينادينا كذلك وهو على العرش أو على السماء العليا. فهذا القدر يعرف العامي أن ظاهر النزول باطل، بل مثاله أن يريد من في المشرق إسماع شخص في المغرب ومناداته، فتقدم إلى المغرب أقداما معدودة وأخذ يناديه وهو يعلم أنه لا يسمع، فيكون نقله الأقدام عملا باطلا وفعلا كفعل المجانين، فكيف يستقر مثل هذا في قلب عاقل! بل يضطر بهذا القدر كل عامي إلى أن يتيقن نفي صورة النزول، وكيف وقد علم استحالة الجسمية عليه، واستحالة الإنتقال على غير الأجسام، كاستحالة النزول من غير انتقال. فإذن الفائدة في نقل هذه الأخبار عظيمة والضرر يسير، فأنى يساوي هذا حكاية الظنون المنقدحة في الأنفس!) انتهى.
فانظر إلى هذا المفسر المثقف كيف هداه عقله إلى الحق وأن أمور العقائد الخطيرة لا يكفي لإثباتها خبر واحد يعلم الله ماذا حدث في سلسلة رواته، ولكنه أخضع عقله لعمل (السلف) الذين حكموا بوجوب قبول رواية