فلا تقبل فيه ولا نشتغل بتأويله عند من يميل إلى التأويل ولا بروايته عند من يقتصر على الرواية، لأن ذلك حكم بالمظنون واعتماد عليه. وما ذكروه ليس ببعيد لكنه مخالف لظاهر ما درج عليه السلف! فإنهم قبلوا هذه الأخبار من العدول ورووها وصححوها، فالجواب من وجهين: أحدهما: أن التابعين كانوا قد عرفوا من أدلة الشرع أنه لا يجوز اتهام العدل بالكذب لا سيما في صفات الله تعالى، فإذا روى الصديق رضي الله عنه خبرا وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، فرد روايته تكذيب له ونسبة له إلى الوضع، أو إلى السهو، فقبلوه، وقالوا قال أبو بكر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا في التابعين، فالآن إذا ثبت عندهم بأدلة الشرع أنه لا سبيل إلى اتهام العدل التقي من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فمن أين يجب أن لا يتهم ظنون الآحاد وأن ينزل الظن منزلة نقل العدل مع أن بعض الظن إثم، فإذا قال الشارع ما أخبركم به العدل فصدقوه واقبلوه وانقلوه وأظهروه، فلا يلزم من هذا أن يقال ما حدثتكم به نفوسكم من ظنونكم فاقبلوه وأظهروه وارووا عن ظنونكم وضمائركم ونفوسكم ما قالته، فليس هذا في معنى المنصوص.
ولهذا نقول: ما رواه غير العدل من هذا الجنس ينبغي أن يعرض عنه ولا يروى، ويحتاط في المواعظ والأمثال وما يجري مجراها.
والجواب الثاني: أن تلك الأخبار روتها الصحابة لأنهم سمعوها يقينا، فما نقلوا إلا ما تيقنوه، والتابعون قبلوه ورووه وما قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا بل قالوا قال فلان قال رسول الله كذا وكانوا صادقين، وما أهملوا روايته، لاشتمال كل حديث على فوائد سوى اللفظ الموهم عند