أما بعد النبي صلى الله عليه وآله فقد عين لهم من يرجعون إليه فقال: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولكنهم لم يرجعوا إليهم من بعده! فطرأت على المسلمين مشكلات فكرية متعددة بسبب تعدد المراجع في نصوص القرآن والحديث، وكثرت الظنون والاحتمالات، وتضاربت التفاسير والأحاديث من هذا الصحابي وذاك، ثم من هذا التابعي وذاك، وما لبثت أن ظهرت تفاسير متناقضة لآيات الصفات، كما ظهرت أحاديث متناقضة منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله!
فاختار جماعة التأويل كما ذكرنا، وأفتى بعض علماء إخواننا بوجوب السكوت عن تفسيرها احتياطا لدينهم وخوفا من الخطأ في هذا الموضوع الخطير، وقالوا لمن يأخذ برأيهم من المسلمين: إقرؤوها كما هي ولا تفسروها، وفوضوا أمرها إلى الله تعالى.
وهذا هو معنى التفويض أو مذهب الامتناع عن التفسير، الذي صار مذهبا رسميا لكثير من المسلمين عندما راجت سوق التفاسير المتناقضة، وكثرت رواية الأحاديث المؤيدة لهذا التفسير وذاك.
وأقدم نص وجدته عن التفويض وتحريم التأويل ما رواه السيوطي عن الإمام مالك وسفيان بن عيينة.
(قال في الدر المنثور: 3 / 91: (وأخرج البيهقي عن عبد الله بن وهب قال: كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى، كيف استواؤه؟ فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال: الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال له كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة، أخرجوه قال فأخرج الرجل!