البعيد من حدس القلوب، المتعالي عن الأشياء والضروب، الوتر علام الغيوب، فمعاني الخلق عنه منفية، وسرائرهم عليه غير خفية، المعروف بغير كيفية، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفكار، ولا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود، وكيف يوصف بالأشباح، وينعت بالألسن الفصاح، من لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن، ولم يخل منها فيقال أين، ولم يقرب منها بالالتزاق، ولم يبعد عنها بالافتراق، بل هو في الأشياء بلا كيفية، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من الشبه من كل بعيد.
لم يخلق الأشياء من أصول أزلية، ولا من أوائل كانت قبله بدية، بل خلق ما خلق، وأتقن خلقه، وصور ما صور، فأحسن صورته، فسبحان من توحد في علوه، فليس لشئ منه امتناع، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة له في السماوات والأرض مطيعة، كلم موسى تكليما بلا جوارح وأدوات، ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالى عن الصفات، فمن زعم أن إله الخلق محدود فقد جهل الخالق المعبود..). انتهى، والخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة.
(وروى في ص 254:
(عن أبي معمر السعداني أن رجلا أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. فقال: يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل!
قال له عليه السلام: ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل؟!
قال: لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضا فكيف لا أشك فيه.