فمن أين حكم أن قول ابن عباس رواية، ومن أين عرف أنها متأخرة، ثم لو سلمنا أنها متأخرة فإن رواية عائشة نفي مطلق ناظر إلى روايات الإثبات ومكذب لها، ورواية ابن عباس إثبات جزئي فكيف تقدم عليها؟!
ثم من أين جاء بهذه القاعدة المطلقة في الجمع بين الروايات المتعارضة تعارض نفي وإثبات وزعم أنها تقضي بتقديم روايات إثبات الشئ والحكم بأنها ناسخة لروايات نفيه!
وهل يلتزم ابن خزيمة بقاعدته هذه في الروايات التي تنفي أن النبي صلى الله عليه وآله أوصى بالخلافة، وبين الروايات التي تثبت أنه أوصى بها لعلي عليه السلام فيقول إن روايات الإثبات مقدمة على روايات النفي؟!
وهل يلتزم بأن كلام ابن عباس يجب أن يقدم دائما على كلام عائشة لأنه أعلم منها؟! فيقدم شهادة ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وآله قد أوصى لعلي عليه السلام بالخلافة من بعده وأمر المسلمين ببيعته في غدير خم في حجة الوداع، على شهادة عائشة بأن النبي لم يوص لأحد ولا أوصى بشئ!
لا نظن ابن خزيمة يلتزم بشئ من ذلك، ولكنه يحب إثبات رؤية الله تعالى بالعين لأنه تربى عليها وأشربها قلبه، فهو مستعد لأن يرتكب من أجلها المصادرات والتحكمات، ويقع في التناقضات الصارخة!!
(وقد أنصف الشيخ محمد عبده في تفسير المنار: 9 / 148 عندما قال:
(فعلم مما تقدم أن ما روي عن ابن عباس من الإثبات هو الذي يصح فيه ما قيل خطئا في نفي عائشة إنه استنباط منه، لم يكن عنده حديث مرفوع فيه، وإنه على ما صح عنه من تقييده الرؤية القلبية معارض مرجوح بما صح من تفسير النبي (ص) لآيتي سورة النجم وهو أنهما في رؤيته (ص) لجبريل