يقول قائل أو قائلة: قد أعظم ابن عباس الفرية وأبو ذر وأنس بن مالك وجماعات من الناس الفرية على ربهم! ولكن قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها. أكثر ما في هذا أن عائشة رضي الله عنها وأبا ذر وابن عباس رضي الله عنهما وأنس بن مالك رضي الله عنه، قد اختلفوا هل رأى النبي (ص) ربه فقالت عائشة رضي الله عنها: لم ير النبي (ص) ربه، وقال أبو ذر وابن عباس رضي الله عنهما قد رأى النبي (ص) ربه، وقد أعلمت في مواضع من كتبنا أن النفي لا يوجب علما والإثبات هو الذي يوجب العلم، لم تحك عائشة عن النبي (ص) أنه أخبرها أنه لم ير ربه عز وجل (!) وإنما تلت قوله عز وجل: لا تدركه الأبصار، وقوله: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، ومن تدبر هاتين الآيتين ووفق لإدراك الصواب علم أنه ليس في واحدة من الآيتين ما يستحق الرمي بالفرية على الله، كيف بأن يقول قد أعظم الفرية على الله! لأن قوله: لا تدركه الأبصار، قد يحتمل معنيين على مذهب من يثبت رؤية النبي (ص) خالقه عز وجل. قد يحتمل بأن يكون معنى قوله: لا تدركه الأبصار، على ما قال ترجمان القرآن لمولاه عكرمة: ذاك نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شئ. والمعنى الثاني أي لا تدركه الأبصار أبصار الناس، لأن الأعم والأظهر من لغة العرب أن الأبصار إنما تقع على أبصار جماعة، لا أحسب عربيا يجئ من طريق اللغة أن يقال لبصر امرئ واحد أبصار، وإنما يقال لبصر امرئ واحد بصر، ولا سمعنا عربيا يقول لعين امرئ واحد بصران فكيف أبصار!
ولو قلنا: إن الأبصار ترى ربنا في الدنيا لكنا قد قلنا الباطل والبهتان، فأما من قال أن النبي (ص) قد رأى ربه دون سائر الخلق فلم يقل إن الأبصار