فإن كان يحتمل أنه أراد حقيقة الاستواء ففاسد، لما عرفت من استحالته بحكم العقل، وإن كان الترديد بين المعاني المجازية فقط، فأين حقيقة الاستواء التي أثبتناها.
وإذا كان قول الإمام مالك عند هؤلاء قدوة وحجة في مثل هذه المسألة الغامضة، فلم لم يقتدوا بقوله فيما هو أوضح منها وأهون، وهو رجحان استقبال القبر الشريف والتوسل بصاحبه عند الدعاء؟ حسب ما أمر به مالك المنصور فيما مرت الإشارة إليه...
أما قول عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية أنه لا يلزم أن نكون مجسمة وإن قلنا بجهة العلو، لأن لازم المذهب ليس بمذهب!
ففيه: أن كون لازم المذهب ليس بمذهب إن صح فمعناه أن من ذهب إلى القول بشئ لا يجب أن يكون قائلا بلازمه، إلا أنه إذا كان هذا اللازم باطلا كان ملزومه الذي ذهب إليه باطلا، لأن بطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم، وإلا لبطلت الملازمة. فمن قال بجهة العلو وإن لم يقل بالتجسيم إلا أنه لازم قوله، فإذا كان التجسيم باطلا فالقول بجهة العلو خطأ وباطل، مع أنك قد عرفت آنفا أن قدوتهم ومؤسس ضلالتهم ابن تيمية قد صرح بالجسمية وكفره علماء عصره لذلك وحكموا بقتله أو حبسه، وأن مؤسس مذهبهم ابن عبد الوهاب اقتدى بابن تيمية في ذلك فأثبت اليدين اليمين والشمال والأصابع والكف، وهم على طريقته لا يحيدون عنها قيد أنملة، فلا ينفعهم التبري من القول بالتجسيم).