أقول: إذا كان الأصل هو دعاء الله تعالى بلا واسطة، فلم العدول عن الأصل إلى غيره ولا يخفى أن غير الأصل لا يتمسك به إلا من عدم الأصل، والله جل جلاله حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، يحب أن يدعوه عبده وأن يرجوه وأن يخافه وأن يتوسل إليه بأسمائه وصفاته.
فإذا كان هذا لا ينقطع عن مسلم في أي بقعة كان، وهو الأصل الأصيل، فلم العدول عنه والتنكب له؟! أفتعدل إلى طريق هي أهدى؟
تقول: إن التوسل الذي ننكره وهو التوسل بالذوات وعمل غير الداعي ونحوها، ليس الأصل بل الأصل معكم وأنتم حقيقون بالأصل.
تقر لنا بالهداية والاتباع، وترغب في مخالفة الأصل دون دليل صحيح.
أما في الأصل لك كفاية؟ أما في دعاء الله وحده بلا واسطة لك مقنع؟
إذا كان الحي القيوم الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء يحب أن يدعوه عبده كل حين: دعاء عبادة أو دعاء مسألة، وهو الذي يقول: وإذا سألك عبادي عني فإن قريب) إذا كان كذلك، فلم العدول إلى الأموات تتوسل بذواتهم أو جاههم أو حرمتهم، وغيرها من الألفاظ البدعية؟
لم لا يعلم المسلمون دعاء الله وحده، فتخلص قلوبهم من الالتفات إلى غيره في دفع كربة أو رفع بلاء أو جلب نفع؟
علموهم هذا ولا تعلقوا قلوبهم بغير الله فيتخذوهم أندادا، فيذهب ذكرهم لربهم وحده، وحبهم له وحده، إذ نفعهم معلق في أذهانهم بوسائط.
إن من انفتح عليهم باب البدعة في التوسل ألقي بهم ولو بعد حين إلى دائرة الاشراك، إذ هو طريقه وسبيله، ومنه يتدرج إلى دعاء الأموات أنفسهم أو سؤالهم الشفاعة أو الإغاثة أو الإعانة.
وكل هذه صرح كاتب المفاهيم بتجويزها في مواضع من كتابه، كما سيأتي في مباحث الشفاعة.